Author

قصة انتخابين وتعزيز مفهوم الديمقراطية

|
إن الانتخابات في حد ذاتها لا تعزز الديمقراطية في كل الأحوال ـ فهي وسيلة مفيدة لتذكيرنا بأن صناديق الاقتراع ليست أكثر من جزء، ولو أنه جزء أساسي، من أي مجتمع تعددي حر. لا شك أننا نستطيع أن نذكر بعض الأمثلة الرائعة لانتخابات أفضت إلى تعزيز كل من الاستقرار ومؤسسات الدولة في عدد من المجتمعات. ولقد شهدنا للتو مثالاً للنوع الثاني من الانتخابات في الهند، صاحبة الديمقراطية الأضخم والأعظم على مستوى العالم، حيث أسفرت مشاركة 420 مليون ناخب في صناديق الاقتراع عن تشكيل حكومة يقودها حزب المؤتمر بأغلبية كبيرة. وكان ذلك بمثابة انتصار شخصي لرئيس الوزراء مانموهان سينج من أكثر من جانب. فقد أثبت فوزه إمكانية إحراز النجاح في عالم السياسة من خلال السلوك اللائق، والنزاهة، والذكاء الشديد. ومن الجدير بنا هنا أن ننسب الفضل أيضاً إلى سونيا غاندي وأفراد عائلتها لأنهم وضعوا في طليعة أولويات حملتهم الانتخابية رؤية لمجتمع شامل يرفض الانقسامات على أساس الطائفة أو العرق أو اللغة أو الدين. وهذه النتيجة لابد أن تساعد الهند على مواصلة رحلتها ـ التي قد لا تخلو من الاضطرابات في بعض الأحيان ـ نحو التحول إلى بلد يتمتع باقتصاد سريع النمو وقادر على رفع مستوى ونوعية الحياة بين الفقراء. وإنني لأتمنى أن نشهد في أوروبا تجربة ديمقراطية صحية مماثلة في الشهر المقبل، حين يذهب الناخبون في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي الجدد. منذ عام 1979 كان انتخاب أعضاء هذا البرلمان يتم بشكل مباشر وليس عن طريق البرلمانات الوطنية. بيد أن الإقبال على هذه الانتخابات شهد انخفاضاً في عديد من البلدان. ومن المحتمل أن يكون عدد الناخبين في حزيران (يونيو) أقل من أي وقت مضى. فضلاً عن ذلك، فمن المرجح في ظل الظروف الاقتصادية القاسية الحالية أن يسعى الناخبون الذين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع بالفعل إلى معاقبة الأحزاب الرئيسة الكبرى بالتصويت لأحزاب هامشية، بل ولساسة متطرفين. وهناك ظروف خاصة قد تشجع مثل هذه الاستجابة الانتخابية. أولاً، هناك شعور سائد بالاشمئزاز من الطريقة التي أفضى بها الازدهار الأخير إلى تخصيص المكاسب، في حين تحمل أفراد المجتمع كافة الخسائر اللاحقة. ويبدو أن المكاسب كانت لصالح قِـلة من الأفراد الأغنياء بينما كانت الخسائر من نصيب كل دافعي الضرائب. ولقد أدى هذا إلى بث الشعور بالظلم بين المواطنين العاديين. ثانياً، كانت العولمة هدفاً للانتقاد من جانب الشعوبيين. ويشتمل تعريف العولمة عادة على كل ما لا نحب ـ من التغييرات التي أدخلتها على أسلوبنا التقليدي في ممارسة حياتنا إلى خسارة وظائفنا ـ حتى لم يعد بوسع الساسة، إلا الشجعان منهم، أن يشيروا إلى الزيادة التي شهدها ازدهارنا في الإجمال نتيجة لتحرير التجارة وانفتاح الأسواق. ثالثاً، وفي بريطانيا على الأقل، فقدت الطبقة السياسية بالكامل مصداقيتها بسبب الفضيحة الأخلاقية التي كشفت عن النفقات التي دفعها عديد من البرلمانيين لأنفسهم. ولكن هناك سبب آخر وراء الافتقار إلى الاهتمام بانتخابات الاتحاد الأوروبي. إن البرلمان الأوروبي يتمتع بسلطات لا ينكرها أحد، ولكنه يتعامل مع قضايا لا تأتي على رأس أولويات الناخبين على الرغم من أهميتها بالنسبة لهم. لقد احتفظت البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بسلطاتها فيما يتصل بأغلب القضايا السياسية الحساسة، بما في ذلك الضرائب والصحة والتعليم ومعاشات التقاعد وأسواق العمالة والسياسة الخارجية. لذا فإن المسائل التي تهيمن على الحملات الانتخابية الوطنية لا تؤثر بشكل كبير في الانتخابات الأوروبية. إن البرلمان الأوروبي يتعامل مع المجالات المهمة التي جمعت فيها البلدان الأعضاء سيادتها، مثل التجارة، وإنشاء سوق أوروبية مشتركة، والقضايا البيئية الكبرى. ولكن هذه ليست الأمور التي تثير أشد الاهتمام بين الأوروبيين. فضلاً عن ذلك فإن انفصال البرلمان الأوروبي عن المناقشات السياسية الوطنية يعني أنه يتمتع بشرعية سياسية أقل من المرغوب. والحقيقة أن هؤلاء الذين يعربون عن خشيتهم من إنشاء دولة أوروبية عظمى يمكنهم أن يتحرروا من مخاوفهم. فلن يقوم لهذا الكيان قائمة، فليس هناك ما نستطيع أن نطلق عليه جمهوراً انتخابياً أوروبياً، بل هناك جمهور انتخابي فرنسي، وبلجيكي، ولاتفي، ويوناني، وهلم جرا. وهم جميعاً يصوتون في الوقت نفسه للمؤسسة نفسها، ولكن ماذا يدري ناخب إيطالي عن السياسة البريطانية أو ما الذي قد يدفعه إلى الاهتمام بها؟ ولنتأمل معاً في برامجنا التلفزيونية. إننا نعرف عن كرة القدم الأوروبية أكثر كثيراً مما نعرفه عن السياسة الأوروبية. إن هذه "اللعبة الجميلة" قادرة على الجمع بين الناس على نحو أكثر فاعلية وسرعة من كل ما يستطيع البرلمان الأوروبي أن يفعله. ليس المقصود بهذا انتقاد أولئك الذين يعملون ـ وبأقصى طاقاتهم في كثير من الأحيان ـ في البرلمان الأوروبي. فقد نجحنا في خلق هيئة سياسية قادرة على مساءلة المؤسسات الأوروبية، ولكنها لا تتمتع بجمهور انتخابي أوروبي واضح قادر على مساءلة هذه الهيئة السياسية ذاتها. إن وجود برلمان بلا جمهور لا بد أن يؤدي إلى تفاقم الشعور بالإحباط، وهو ما يشعر به عديد من الناخبين الأوروبيين إزاء عملية صنع القرار على نطاق أوروبا بالكامل باسمهم. إذا تم التصديق على معاهدة لشبونة في وقت لاحق من هذا العام، فإن أحد التغييرات المصاحبة لهذا التصديق لا بد أن يسفر عن مزيد من مشاركة البرلمانات الوطنية في عملية صنع القرار الأوروبي. ولكن يتعين على كل دولة على حِدة أن تنظر فيما تستطيع أن تفعله لربط البرلمان الأوروبي بالسياسات الوطنية. وما لم نفعل ذلك بشكل أفضل فسيستمر جمهور ناخبي أعضاء البرلمان الأوروبي في التضاؤل، وسيتم انتخاب كثير منهم ببساطة كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج، ومن ينتخب منهم سيمثل كل ما هو متطرف وكئيب، وستفقد الممارسة الديمقراطية الأوروبية ومبادئها مصداقيتها بالكامل.
إنشرها