المناعة البيولوجية والمناعة الاجتماعية

حين جرحت أصبعي في إحدى العمليات من مريضة مصابة بالتهاب الكبد الوبائي وشرحت ذلك لزوجتي - رحمها الله - قالت لا يعقل أن يصاب الإنسان بالمرض من جرح ولسعة وتلامس، بل لا بد من قوة داخل الجسم في كل وقت تقيه المرض والسقوط في مهاوي الضعف والموت!
قلت لها صدقت ففي كل فوهات الجسم وفي أي مكان يفتح في الجلد يوجد حراس شداد غلاظ يحمون البدن، وإن يجرح الإنسان بمريض مصاب بالايدز لا يعني أنه سيصاب بالمرض آليا بل يحتاج إلى مجموعة متراصة متشابكة من العناصر.
فكما كان في الجسم جهاز للمناعة ضد الأمراض يحصن بها البدن قلاعه، كذلك تفعل الثقافات بلهيب نار وسيف يتقلب.
والمتأمل لأوضاع العالم العربي يجب أن يضحك وإلا مات؛ فالضحك يهدئ الأعصاب، ومفيد في الكارثة السياسية، وإن كان يقترب من حافة الجنون حينما يواجه الإنسان أوضاعاً لا تدعو للضحك بل البكاء.
أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون؟ هل يضحك الإنسان أم يبكي؟
ولكن لو سالت دموع أحدنا بقدر نهر دجلة والنيل الأزرق؛ فحقائق الكون ماضية في سنتها، والأيام حبالى بأحداث جسام.
والسؤال لماذا يحدث ما يحدث حيث يجب ألا يحدث إلا عندنا؟
لا بد من الاستعانة بعلم الأمراض العضوية، كي نفهم ما يحدث في عالم الاجتماع؛ فالصحة والمرض ليست أوضاع استاتيكية بل أوضاع ديناميكية.
ويعرف الطب أن انحراف المزاج من الصحة إلى المرض هو بسبب خلل في توازن معقد، بين الجهاز المناعي في البدن والهجوم الجرثومي من الخارج. ولكن انكسار التوازن يحدث تالياً لانهيار الجهاز المناعي. ويتصرف البدن حيال الأزمة المرضية إما بمكافحة جرثوم يعرف تقنيات المصارعة معه ولكنه يضعف فيقتحم الجرثوم الحدود إلى الداخل مثل يأجوج ومأجوج فهم من كل حدب ينسلون. وإما بهجوم غادر من فيروس غامض الطبيعة لم يتعرف عليه البدن من قبل فيسقط أمامه بعدم الاستعداد المسبق. كما هو الحال مع إنفلونزا الخنازير الحالية.
وكلتا الآليتين تجتمعان في النهاية في آلية واحدة بضعف الاستعداد أو عدم الاستعداد. وبالتالي انهيار الجهاز المناعي.
كما حصل مع اجتياح مصر القديمة بجنود الهكسوس في الألف الثانية قبل الميلاد عندما فاجأوا الحضارة الفرعونية بآلة الحرب الجديدة المكونة من العربة والحصان. فلم يكن أهل النيل يعرفون العجلة الحربية وبنوا أشهر أهراماتهم بعبقرية هندسية وعضلات بشرية.
ومبدأ إعطاء اللقاحات ضد شلل الأطفال والجدري يقوم على نفس التكتيك بإدخال فيروس مضعَّف أو مقتول فيغالب الجسم ميتا أو شبه ميت بكل الاستعداد فيتدرب كما يضرب الملاكم دمية القطن.
وبالمقابل فإن الصحة هي مقاومة الجهاز المناعي بالتعرف على مواطن ضعف الخصم والقضاء عليه.
والصادات الحيوية في الطب ليست هي التي تشفي بل هي أداة في هذه الحرب الطاحنة، أي وسائل مساعدة للجهاز المناعي لإضعاف الجراثيم بلجمها فيبتلعها في مواجهة ساخنة يغلي منها البدن بالحرارة.
ويلحق بهذه الآلية شيء أخطر هو تداخل المرض مع الاختلاط. أي أن المرض يقود إلى مرض جديد. مثل اجتماع السل مع السكري، والنزف وقصور الكلية.
والله يقول : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي