انسياب الاستثمارات الأمريكية خلال الحزبين الديمقراطي والجمهوري

أعلن البيت الأبيض أمس الأول عن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للعاصمة السعودية الرياض الأسبوع المقبل للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لبحث السلام في منطقة الشرق الأوسط وإيران والإرهاب.
تعد هذه الزيارة الأولى للرئيس أوباما منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة. تتزامن الزيارة مع إكمال الرئيس أوباما أربعة أشهر من فترته الرئاسية. تمثل هذه الفترة الزمنية فترة زمنية مناسبة لتقييم مستوى أداء الرئيس الجديد، ومدى قدرته على تنفيذ برنامج إدارته، ومصداقية ما وعد به الناخب الأمريكي خلال الحملة الانتخابية.
وعلى الرغم من طول قائمة أجندة منهجية إدارة الرئيس أوباما، وآلياتها في إدارة التطورات العالمية المقبلة، إلا أن ما نركز عليه في هذا السياق العلاقة البينية بين الاقتصاد الأمريكي ومثيله السعودي، بشكل خاص، والخليجي، بشكل عام.
ينطلق تركيز السياق من قراءة تاريخية مختصرة لمنهجية الحزبين السياسيين الأمريكيين الرئيسين، الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، في إدارة السياسة الأمريكية، وطبيعة آلية التوازن بين أولويات كل حزب في توجيه السياسة الأمريكية.
هناك ثلاثة دوافع خلف مقارنة منهجية الحزب الديمقراطي بمثيله الجمهوري، كمنظور مشاهدة لمستقبل الاقتصاد العالمي، بشكل عام، والاقتصاد الشرق أوسطي، بشكل خاص. الدافع الأول تسليط الضوء على طبيعة الدور الذي يؤديه الحزب الديمقراطي ومثيله الجمهوري في إدارة السياسة الأمريكية. والدافع الثاني وضع أرضية حوار يمكن من خلالها قراءة مستقبل الاقتصاد العالمي خلال فترة الرئيس أوباما. والدافع الثالث تطوير المقومات السعودية، والخليجية بما يمكنها من تحقيق أفضل العوائد المأمولة بأقل التكاليف المتوقعة.
من الأهمية بمكان قبيل القراءة التاريخية المختصرة لمنهجية الحزب الديمقراطي ومثيله الجمهوري في إدارة السياسة الأمريكية توضح ثلاثة أمور كثيرا ما كانت ولا تزال تشكل محاور اختلاف وجهات نظر المراقبين. الأمر الأول أن التاريخ لا يعيد نفسه. وبالتالي فإنه من غير المنطقي قراءة الماضي لاستقراء مستقبل نتائج منهجية الرئيس الأمريكي الحالي. والأمر الثاني أن الرئيس الأمريكي، ديمقراطيا كان أو جمهوريا، يعتمد على منهجية منعزلة عن منهجية حزبه السياسي. وبالتالي فإنه من غير الممكن قراءة منهجيات الحزب الديمقراطي والجمهوري السابقة لاستقراء نتائج منهجية الرئيس الأمريكي الحالي. والأمر الثالث أن كل دولة من دول العالم تعتمد على منهجية ثابتة لا تأخذ في حسبانها وصول الحزب الديمقراطي أو الجمهوري للرئاسة الأمريكية. وبالتالي فإن كل دولة من دول العالم تتطور بمعزل عن الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة ذاتها.
وعلى الرغم مما تحمله هذه الأمور الثلاثة من مبررات منطقية، إلا أنها في الوقت ذاته تحمل مبررات غير منطقية. يقودنا هذا التباين إلى فتح المجال لتقييم وجهة نظر حول مستقبل نتائج منهجية الرئيس أوباما، وما يمكن أن ننميه من مقوماتنا السعودية والخليجية لتحقيق أفضل الاستثمارات التنموية.
يعد الحزب الديمقراطي من أقدم الأحزاب السياسية الأمريكية المعاصرة بعودة جذوره إلى الحزب الجمهوري الديمقراطي، الذي أسسه مجموعة من معارضي النزعة الفيدرالية في السياسة الأمريكية بقيادة توماس جيفرسون وجيمس ماديسون.
اهتم الحزب الديمقراطي منذ نشأته بالشأن الاقتصادي الأمريكي، كأساس لتحقيق الرخاء والازدهار للشعب الأمريكي. من الإجراءات التي اتخذها الحزب الديمقراطي في هذا الجانب إنهاء النزاعات الأمنية، أو تحجيمها، في مناطق النزاع الأمني حول العالم، كعامل رئيس أولي لتحقيق الرخاء والازدهار الاقتصادي. من الأمثلة على ذلك شراء ولاية أريزونا من فرنسا في عهد جيفرسون، وتوقيع اتفاقيات الحرب العالمية الثانية مع دول الحلفاء في عهد روزفلت، ومحاولات تهدئة نوعية العلاقة مع الاتحاد السوفياتي في عهد كيندي، وتوقيع معاهدة كامب ديفيد في عهد كارتر، وتقليص آثار حرب الخليج الثانية في عهد كلينتون.
أسهمت هذه الإجراءات في تمهيد الطريق للشأن الاقتصادي الأمريكي لينمو من خلال التركيز على عوامل استدامة العملية التنموية الأمريكية. من أهم هذه العوامل زيادة الحد الأدنى للأجور، ودعم بدائل مناسبة للنفط، ودعم السياسة النقدية، والرعاية الصحية، والمحافظة على البيئة، والعلاقات التجارية الدولية.
بالمقابل، يعد الحزب الجمهوري من الأحزاب السياسية الأمريكية الرئيسة بعودة جذوره إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، عندما فاز الحزب لأول مرة في الانتخابات الرئاسية، واختيار أبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر، والأول من الحزب الجمهوري.
اهتم الحزب الجمهوري منذ نشأته بشأن الأمن القومي، كأساس لتحقيق الرخاء والازدهار للشعب الأمريكي. من الإجراءات التي اتخذها الحزب الجمهوري في هذا الجانب تدعيم النفوذ الأمريكي، أو توطيده، في مناطق مختلفة حول العالم، كعامل رئيس أولي لتحقيق الرخاء والازدهار الاقتصادي. من الأمثلة على ذلك قيام الحرب الأهلية في الولايات الأمريكية الجنوبية لمنعها من الانفصال في عهد لينكولن، والحرب العراقية الإيرانية في عهد ريجان، وحرب الخليج الثانية في عهد بوش الأب، والحرب العراقية في عهد بوش الابن.
أسهمت هذه الإجراءات في تمهيد الطريق للأمن القومي الأمريكي لينمو من خلال التركيز على عوامل استدامة العملية التنموية الأمريكية. من أهم هذه العوامل دعم صناعة الدفاع الأمريكية، وتقليل الحد الأدنى للأجور، ودعم السوق الحرة.
نخلص من هذه القراءة المختصرة لمنهجية الحزب الديمقراطي ومثيله الجمهوري أن الحزب الجمهوري يهدف إلى توطيد الأمن القومي الأمريكي في معظم مناطق العالم. يلزم هذا التوطيد بطبيعة الحال إنفاق مدخرات الخزانة الأمريكية خارج الاقتصاد الأمريكي. بمعنى آخر زيادة التدفقات الاستثمارية من الاقتصاد الأمريكي خارجه، بشكل عام، وإلى مناطق النزاع الأمني، بشكل خاص. ويهدف الحزب الديمقراطي في المقابل إلى دعم الاقتصاد الأمريكي من خلال توطيد الثقة في الاقتصاد الأمريكي كقناة استثمارية آمنة. حيث تكون هذه القناة كفيلة بمحو آثار النزاعات الأمنية, بمعنى آخر اجتذاب الاستثمارات العالمية إلى الاقتصاد الأمريكي.
تنعكس بطبيعة الحال حركة انسياب الاستثمارات من وإلى الاقتصاد الأمريكي على العمليات التنموية في معظم دول العالم, حيث تتباين حدة نمو اقتصاداتها بانسيابية هذه الاستثمارات. العامل الرئيس في هذا التأثر أن جميع اقتصادات العالم تعمل في منظومة واحدة تؤثر وتتأثر جميعها ببعضها. والفيصل في استدامة العملية التنموية في اقتصادات العالم يكمن في المواءمة بين آفاق العمليات التنموية لكل اقتصاد على حدة، من جهة، واحتياجاته من الوقود الاقتصادي، من جهة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي