شبابنا مازال بخير وبحاجة إلى اهتمامنا
يأتي تقليد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسام الملك عبد العزيز لأبطال سيول حائل، كما وصفتهم بذلك "الاقتصادية"، تقديرا منه وكما عودنا ذلك ـ حفظه الله ـ للمواقف الإنسانية والتصرفات النبيلة التي جسدها على أرض الواقع ثلاثة من شباب حائل الشجعان، الذين قاموا بعمل بطولي وشجاع، تمثل في إنقاذ سيدة كادت تتعرض للغرق في السيول التي اجتاحت حائل.
المواطنون الثلاثة الشجعان، وهم سيف فدعوس الشمري، الذي قلده الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ، وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، وعمر أحمد الفقيه ورشيد زامل الشمري، اللذان قلدهما الملك وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثانية، عبروا عن شكرهم واعتزازهم بلقاء خادم الحرمين الشريفين وتكريمه لهم، مؤكدين للملك، أن ما قاموا به من عمل، إنما ينبع من واجبهم ومما تعلموه في وطنهم من قيم الدين والمروءة، ومن ولي أمرهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأنهم قاموا بهذا العمل ليجسدوا الواجب تجاه دينهم ووطنهم، وإن تقليدهم وسام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، سيبقى في قلوبهم شرفاً رفيعاً يفخرون به مدى حياتهم وكذلك أبناؤهم من بعدهم.
إن استقبال الملك وتكريمه أبطال سيول حائل لوسام رفيع المستوى، وهو وسام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، وهو دلالة واضحة على حقيقة ما يكنه الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله-، من حب وعطف وتقدير لأهم فئة في تركيبة المجتمع السعودي العمرية، وليس ذلك فحسب، بل لأن الشباب هم عماد المستقبل وعليهم تقع مسؤولية النهوض بالوطن والدفاع عن مكتسباته وعن مقدراته، لاسيما أن المجتمع السعودي يعد مجتمعاً فتياً، وفقما تشير الإحصائيات الرسمية إلى ذلك، إذ تبلغ نسبة الشباب وصغار السن من الفئة العمرية (0-34) نحو (65.4 في المائة) من إجمالي عدد السكان.
هذه الإحصائيات عن التركيبة العمرية لفئات المجتمع السعودي، التي يغلب على مكوناتها وكما أسلفت فئة الشباب وصغار السن، تستوجب من جميع الأجهزة الحكومية، بما في ذلك أجهزة القطاع الخاص، التي لها علاقة بتنمية قدرات الشباب وصقل مواهبهم، أن تكثف جهودها الرامية إلى تأهيل الشباب، حتى يصبحوا في المستقبل قادرين على القيام بمسؤولية النهوض بالوطن والمحافظة على مكتسباته وعلى مقدراته، ولا سيما أنه على الرغم من الجهود الملحوظة التي بذلتها الحكومة بما في ذلك القطاع الخاص في سبيل الارتقاء بأداء الشباب والتعزيز من مساهمتهم في الاقتصاد المحلي، وفي بناء المجتمع، إلا أنه في رأيي لا تزال تلك الجهود متواضعة للغاية ودون المستوى المطلوب، رغم أهمية الشباب لأي مجتمع كان سواء المجتمع السعودي أم غيره.
إن الأمثلة والشواهد على تواضع الجهود الحكومية الرامية لتطوير أداء الشباب في بلادنا جسدياً، وعقلياً، وفكرياً، وإبداعياً عديدة وكثيرة، التي لعل من بين أهمها وأبرزها، تفشي ظاهرة البطالة بين الشباب، وعدم القدرة على شغل أوقات فراغهم بالشكل الذي يمكنهم من الاستغلال الأمثل والسليم لأوقات فراغهم، الأمر الذي يؤكد عليه ما أشارت إليه خطة التنمية الثامنة إن استغلال وقت فراغ الشباب استغلالاً سليماً ومثمراً، يعد من بين أهم التحديات، التي تواجه المجتمعات الحديثة خاصة فيما يتعلق بالشريحة الشبابية من السكان، وعلى الأخص إذا كانت هذه الشريحة تشكل نسبة، لا يستهان بها من السكان، وكما هي الحال بالنسبة للسعودية.
من هذا المنطلق طالبت الخطة المذكورة إعطاء موضوع الشباب، خصوصا الاستغلال الأمثل والسليم لأوقات فراغهم، اهتماماً بالغاً لما له من علاقة مباشرة بالاستقرار الاجتماعي وتفادياً لما قد تتعرض له هذه الشريحة من مؤثرات سلبية في ضوء كونها من أكثر شرائح المجتمع حساسية وتأثراً.
خطة التنمية الثامنة، وضعت عديدا من المقترحات والتصورات الكفيلة بالتعامل مع المشكلات، التي يعانيها الشباب في بلادنا، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ضرورة التركيز على إيجاد فرص عمل للشباب حديثي التخرج، والتشجيع على تنمية الهوايات والمواهب، ووضع تصور واضح ومحدد حول الاهتمام بمشكلات الشباب، بما في ذلك الاستثمار الأمثل لأوقات الفراغ.
توصيات الحوار الوطني الرابع الذي عقد في المنطقة الشرقية خلال الفترة من السابع إلى التاسع من كانون الأول (ديسمبر) عام 2004، تحت عنوان "قضايا الشباب: الواقع والتطلعات"، حددت كذلك عددا من المطالب الكفيلة بالتعامل مع المشكلات، التي يعانيها الشباب السعودي التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، أهمية التعرف على آراء الشباب ومشكلاتهم وتشخيصها، وتطوير التعليم والمعلمين والمناهج لتحقيق البناء العلمي والفكري السليم للشباب، إضافة إلى التوسع في استخدام وسائل التعليم الحديثة، ووضع آلية واضحة للقبول في المراحل الجامعية بما يستجيب للنمو الكبير في أعداد خريجي الثانوية العامة، وكذلك دعم النشاط المدرسي وبناء المدارس الحكومية، ودراسة مشكلة البطالة وتطوير أنظمة العمل ووضع حد أدنى للأجور، إضافة إلى تطوير عديد من مسائل الشباب كإشراكهم في قيادات مؤسسات المجتمع المدني وحضورهم في الإعلام، وتأسيس هيئة عليا تختص بقضايا الشباب وتعالج قضاياهم وتعزيز الانتماء الوطني.
خلاصة القول، إن قيام مجموعة من الشباب السعودي بعمل بطولي وشجاع، تمثل في إنقاذ مواطنة كادت تتعرض للغرق في السيول الأخيرة التي اجتاحت حائل، يؤكد على حقيقة مهمة، وهي أن شبابنا لا يزال بخير، وأنه لا يزال قادرا على العطاء وبذل المزيد من الجهود المرتبطة بالمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها السعودية. ولكن لكي يتسنى لفئة الشباب في بلادنا أن تسهم بفعالية أكبر في التنمية الاقتصادية، بما في ذلك الاجتماعية التي تعيشها البلاد، لابد من تهيئة المناخ العلمي والعملي، بما في ذلك البيئة التربوية الملائمة للارتقاء بفكر وبثقافة وبعقل الشباب، لكي يصبحوا أكثر استعدادا وتأهيلاً للمساهمة في تنمية المجتمع، وذلك من خلال التفهم الأفضل لمشكلاتهم، ولما يعانونه من صعوبات ومعوقات اجتماعية، تعمل في بعض الأحيان بقصد أو بغير قصد على إقصائهم عن المجتمع، وتصويرهم بأنهم حمل ثقيل على الوطن، ومن هذا المنطلق فإن تبني تطبيق التوصيات التي تمخضت عن الحوار الوطني الرابع، بما في ذلك المحددات التي وردت بخطة التنمية الثامنة للتعامل مع مشكلات الشباب، يعد أمراً في غاية الأهمية للارتقاء بأداء الشباب، كما أن تعميم فكرة مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع، أو تبني فكرة مشابهة لها في جميع مناطق المملكة، سيعمل على الارتقاء بقدرات الشباب والشابات في بلادنا، من خلال مساعدتهم على تنمية المواهب والإبداع في مجالات الحياة المختلفة، كما أنه في رأيي تنشيط عمل مجالس الأحياء، سيكون له الأثر الكبير في اكتشاف مواهب شباب الحي، والعمل على الارتقاء بالقدرات وتذليل الصعوبات والمعوقات التي يعانيها الشباب، بما في ذلك تهيئتهم التهيئة السليمة، ليصبحوا عناصر وطنية نافعة للمجتمع وللوطن وللاقتصاد على حد سواء، وبالله التوفيق.