صكوك الملكية الشعبية!

أعلنت الحكومة المصرية أخيرا نيتها إصدار أوراق مالية تحمل اسم "صكوك الملكية الشعبية" تمثل حصص الحكومة في شركات لم يتم بيعها ضمن مشروع الخصخصة حتى الآن، بحيث يتم توزيع هذه الصكوك مجاناً لكل مواطن مصري تجاوز سن الـ21 عاما (يشكلون نحو نصف عدد سكان مصر الشقيقة) في حين يحصل كل مواطن دون تلك السن على حصة في صندوق للأجيال القادمة تكون موجهة للإنفاق على الخدمات العامة التي تحتاج إليها هذه الفئة.
بشكل تفصيلي، تتكون هذه الصكوك من حصص الحكومة في أكثر من 80 شركة وهو ما يمثل نحو 28 في المائة من إجمالي حصص الحكومة في الشركات المملوكة لها بعد استبعاد الشركات الخاسرة والشركات التي تمثل أهمية استراتيجية، وهي بلا شك خطوة جريئة من الحكومة المصرية لتحسين مستوى معيشة مواطنيها والإسراع في مشروع الخصخصة الذي بدأته قبل نحو 20 عاما, الذي تمكنت فيه من جمع أكثر من تسعة مليارات دولار.
على الرغم من أن فكرة إصدار هذه الصكوك لا تزال تحت الدراسة، إلا أن مشروع الخصخصة مكن الحكومة المصرية خلال الـ 20 عاماً الأخيرة من التخلص من أعباء إدارية لم تكن الحكومة قادرة عليها لعقود من الزمن, والمهم أنه مكنها من تنويع القاعدة الاقتصادية من خلال زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي بلغت مستويات قياسية لم يسبق الوصول إليها من قبل، وهي بالتأكيد أهداف اقتصادية مهمة واستراتيجية.
بالنظر إلى واقع مشاريع الخصخصة في المملكة خلال السنوات العشر الأخيرة، سنجد أن هذه المشاريع شحيحة العدد, حيث تتركز أهم مشاريع الخصخصة في قيام الدولة عام 2003 ببيع 30 في المائة من رأسمال شركة الاتصالات السعودية وقيامها العام الماضي برفع رأسمال شركة معادن السعودية بنحو الضعف، وهو ما يضع تساؤلات حول كيف ستتمكن الحكومة إذن من خصخصة باقي المؤسسات الحكومية العاملة في مجالات المرافق العامة والنقل الجوي والمؤسسات المالية والطاقة والبنية التحتية وغيرها؟ ومتى سيتم ذلك؟
في السياق نفسه، نجد أن القطاع الحكومي لا يزال يشكل أهم مكونات الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادنا على الرغم من النمو الكبير الذي حققه القطاع الخاص خلال السنوات الأخيرة، والسبب في ذلك يعود إلى أنه في الوقت الذي يحقق فيه القطاع الخاص نمواً مطرداً نجد أن القطاع الحكومي يحقق أيضا نمواً مطرداً وبمعدلات قد تكون أعلى (نتيجة لارتفاع عائدات النفط)، وهذا بدوره يدل على أنه لتنويع القاعدة الاقتصادية فإن نمو القطاع الخاص يجب أن يتفوق دائما على نمو القطاع الحكومي, وهذا لن يتحقق دون النظر إلى الخصخصة كهدف اقتصادي استراتيجي على المدى الطويل.
لتسريع مشاريع الخصخصة لدينا، يبدو لي تبني فكرة "صكوك الملكية الشعبية" مخرجاً مناسباً لذلك (ولو بشكل جزئي), خصوصاً أن حكومتنا الرشيدة ـ حفظها الله ورعاها ـ تملك احتياطيات ضخمة من الموجودات الأجنبية جعلتها في مصاف أغنى عشر دول في العالم من حيث الاحتياطيات نتيجة السياسة المالية المتحفظة والحكيمة التي اتبعتها الحكومة في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن الهدف من الخصخصة يجب ألا يكون موجهاً للمادة وإنما نحو تنويع القاعدة الاقتصادية بشكل مدروس, وهذا هو المهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي