ماذا لو لم نغضب؟

[email protected]

عرف الغضب من قبل علماء النفس والمفكرين بتعريفات مختلفة كانت تنص على أن الغضب هو حالة نفسية تبعث على هياج الإنسان وثورته قولا وعملا، وعرفه آخرون أنه: "تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر، وعرفه الغزالي أيضا أنه غليان دم القلب بطلب الانتقام".
أشارت دراسة أمريكية أن الكبت وهو"عدم إظهار الحالة النفسية الداخلية التي يعيشها الفرد"، والتعبير السريع للغضب كلاهما يؤديان إلى أضرار صحية متشابهة وإن اختلفت حدتها. في حالة الكبت قد يصل الأمر عند تكراره إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وفي حالة تكرار الغضب فإنه يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بأزمات قلبية قاتلة". "إن انفجار موجات الغضب قد يزيده اشتعالا ويصبح من الصعب التحكم في الانفعال مهما كان ضئيلا، الأخطر من ذلك كله أن بعض الأسلحة الفعالة التي يستخدمها الجسم للدفاع عن نفسه والمنطلقة من غدة حيوية تتعرض للضعف الشديد نتيجة لإصابة هذه الغدة بالتقلص عند حدوث أزمات نفسية خطيرة".
المصدر: "الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية".
إن جميع البشر في جميع أنحاء العالم بمختلف جنسياتهم ودياناتهم يظهرون دائما الآثار السلبية التي قد تحل بالإنسان وقت الغضب قد تكون جسدية عقلية أو صحية ويدعون بالتروي والصبر والهدوء عند المقدرة لما تسببه من آثار سيئة على حياته. اختلف العلماء والمفكرون في تصنيف الغضب هل يعتبر من الغرائز التي يولد بها الإنسان أم هي مكتسبة من الحياة التي نعيشها فتصبح بالتالي ردة فعل لغريزة. قام فرويد بتوضيح ذلك في النظرية السلوكية التي توضح أن أساس السلوك هو استجابة لمؤثرات حسية داخلية. صنف سلوك الغضب أنه ردة فعل لمؤثر داخل الإنسان قد تتمثل في الضغوط التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، و قام منذ عشرات السنين بوضع هذه النظرية التي نشاهدها بوضوح في مجتمعاتنا اليوم. تتسبب الضغوط الداخلية التي يحاول الإنسان كبتها إلى حدوث انفجارات سلوكية لدى الجميع دون استثناء، كان هناك ما يسمى في حياتنا بالرأي والرأي الآخر، وكان أيضا هناك ما يسمى بالحوار بين الجماعات، وأيضا اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية. أصبحت جميع هذه الكلمات تسطر في كتب التعليم وتكاد تنقل إلى كتب التاريخ فقط، حيث لا وجود لها في حياتنا اليومية اليوم، أصبحت المعاملات بين الناس تبنى على المقاطعة وعدم تقبل الرأي الآخر وأصبح أساس الحوار بين الناس هو الصياح. لم يعد للناس قدرة على التحمل والصبر والمسامحة، أصبح الأفراد ينتظرون أي شخص يتعدى على حقوقهم لكي يقوموا بتنفيذ أشد أنواع العذاب على من تعدى عليهم، وذلك لكي يخرجوا الغضب والكبت اللذين تسبب بهما أشخاص آخرون ضدهم، بذلك أصبح كل إنسان تنفذ عليه عقوبات لأخطاء غيره.
نقرأ في الكتب ونسمع أيضا في الأحاديث التي تنتشر بين الأفراد الناصحين لمن يتخذ الغضب مخرجا لحالة يعيشها أو لضغط يلازمه في حياته، كلمات متكررة تنصح بعدم الغضب اتباعا لسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب) رواه البخاري. لقد نهى الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عن الغضب بعدما أسس في الأمة أساس المعاملات بين المسلمين ونهاهم عن أمور كثيرة في معاملاتهم، مثل الكذب، أكل أموال الناس بالباطل، السرقة وغيرها من سلوكيات المعاملات، وضعها كأسس ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان وأمرنا أن نطبقها، بعدها قام، صلى الله عليه وآله وسلم، بالنهي عن الغضب، بذلك تتضح لنا أنه إذا توافرت أسس المعاملات التي حث بها الرسول، صلى الله عليه وسلم، فمن السهل جدا أن يتمالك الإنسان غضبه ويتحلى بالحلم وضبط النفس، لعدم تكرار سوء المعاملات بين الناس، ولكن عندما يعيش الإنسان في مجتمع تكثر فيه السرقات وإيذاء الآخرين والتعدي على حقوقهم فكيف لنا أن نطلب من الأفراد التحلي بالصبر وعدم الغضب، أين المخرج لهم أي طريق يسلكون للتخلص من ضغوط الحياة التي يواجهونها.
عندما نتذكر أن تتعدد أسباب الغضب منها ما هو في استطاعتنا تجنبه أو تقليل آثاره ومنها ما يصعب علينا التأثير فيه، إذا كان أسباب الغضب مرضا صحيا أو عصبياً لدى المريض، فعلاجهم يتخذ الاتجاه الطبي، والقيام بتقوية صحتهم العامة واستنشاق الهواء الطلق النظيف والخالي من السموم المنتشرة في المدن، ولكن إن كان سبب الغضب يرجع للضغوط المتكررة في الحياة فما هو الحل. إن حالات كثيرة تشهدها المجتمعات مثل الطلاق والانتحار وغيرهما تكون ناتجة من هذا النوع من الضغوط لأفراد ليس لديهم متنفس يستطيعون من خلاله الخروج من الحالة النفسية التي يعيشونها. إن أضرار الغضب وآثاره تحل فقط على الغاضب، وتضرّ به أكثر من المغضوب عليه، فرب أمر تافه أثار غضبه ينهي حياة الإنسان. فبذلك الضرر يصبح من الجانبين جانب الضغط النفسي الذي يعيشه الإنسان قبل الانفجار والضرر الآخر يكون نتيجة الغضب.
يقول الباحثون والعلماء دع محاولة الاقتصاص من أعدائك، فإنك بمحاولتك هذه تؤذي نفسك أكثر مما تؤذيهم، ولكن عند تكرار حالات الاعتداء ويصبح هو الحال الذي يعيشه الفرد بشكل يومي يصعب على المجتمع تطبيق هذه النصائح. وما لنا أن نقول "ماذا لو لم نغضب".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي