default Author

إنه البقر .. يا عزيزي!

|
[email protected] يسوغ "رعاة البقر" و"حماة الحيوان" و"حماة البيئة" حربهم على النفط بمسوغات عدة منها أن الوقود الأحفوري بشكل عام والنفط بشكل خاص من أهم مصادر الاحتباس الحراري الذي يهدد العالم بكارثة قد تقوده إلى نهايته. إلا أن الدراسات، القديمة والجديدة منها، تبين أن جزءاً لا بأس به من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يعود إلى الأنشطة الزراعية في الدول الصناعية، خاصة مزارع الأبقار...و الخنازير. وكانت وكالات الأنباء قد تناقلت منذ أكثر من أسبوعين خبراً مفاده أن العلماء يقومون بتجارب تغيير غذاء البقر حتى يقلل البقر من الغازات المنبعثة منه عن طريق الاجترار، التي تقدر حالياً بنحو 100 إلى 200 لتر من غاز الميثائين يومياً لكل بقرة، الذي قد يصل إلى 73 ألف لتر من الميثائين سنوياً. غاز الميثائين أحد أهم الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم. (الحقيقة أن الإنسان مسؤول أيضاً عن انبعاث هذه الغازات ولكن بكمية أقل بكثير من البقر.( في الفترة نفسها نشرت وكالات الأنباء خبراً يقول "الأمريكيون الذين يأكلون اللحم مسؤولون عن ارتفاع مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 1.5 طن لكل شخص، مقارنة بالذين لا يأكلون اللحم". وأشار تقرير تم عرضه على الكونجرس أخيرا أن الحيوانات، التي يمثل البقر أغلبها، مسؤولة عن 18 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. نعم .. إنه البقر يا عزيزي .. وليس النفط فقط. البقر مصدر للطاقة تاريخياً، كان روث الحيوانات مصدراً أساسياً للطاقة في كثير من المجتمعات عن طريق الحرق المباشر. منذ عدة سنوات بدأت العديد من المجتمعات التركيز على روث البقر والحيوانات الأخرى في توليد الكهرباء والتدفئة، خاصة في الهند، وبعض البلاد الأوروبية. بدأت الولايات المتحدة التركيز على روث الحيوانات في السنوات الأخيرة ونجحت نجاحاً باهراً في هذا المجال حيث تحولت عدة مزارع للأبقار والخنازير إلى "محطات كهرباء" تنتج ما يكفيها لاستخدامها المحلي، ثم تقوم ببيع المتبقي لشركات الكهرباء المحلية. ويتم إنتاج الكهرباء عن طريق تجميع روث الحيوانات في حفرة كبيرة مغطاة بقبة بلاستيكية. ثم يتم خلط روث الحيوانات بالماء ومواد كيماوية لتسريع تخمرها حتى تنتج أقصى كمية ممكنة من غاز الميثائين، الذي يتم تجميعه تحت القبة البلاستيكية التي تنتفخ مع زيادة كمية الغاز. ثم يتم نقله عبر أنابيب إلى محطة محلية صغيرة لتوليد الكهرباء، أو يتم حرقه مباشرة لتسخين الماء والتدفئة. كما قامت أغلب الشركات الزراعية في الولايات المتحدة بالتحول إلى سخانات تعتمد على روث الحيوانات لتدفئة البيوت الزجاجية بدلاً من الطريقة السابقة التي تعتمد على النفط والغاز. ولن يأتي عام 2010 إلا وكل البيوت الزجاجية في الولايات المتحدة تدفأ بروث الحيوانات والأخشاب ومخلفات النباتات، خاصة أن ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة جعل الاستثمار في معدات جديدة تعتمد على روث الحيوانات مجدياً. وتشير كل دراسات جدوى هذه المشاريع، التي أشرفت على بعضها شخصياً، أنه في ظل أسعار النفط الحالية فإنه يمكن لأي شركة زراعية أن تسترد تكاليف التحول من النفط إلى روث الحيوانات خلال خمس سنوات دون أي إعانات حكومية على الإطلاق. ولكن القانون الأمريكي يشجع هذه الشركات على التحول من النفط إلى روث الحيوانات ومخلفات النباتات، لأن الحكومة تتحمل 25 في المائة من تكاليف أي مشروع في هذا المجال. فإذا كانت تكلفة التحويل 500 ألف دولار، فإن الحكومة تدفع 125 ألف دولار إعانة مباشرة لصاحب المشروع. هذا يعني أن الشركات تستطيع استرداد تكاليف المشروع خلال ثلاث سنوات تقريباً. حتى المشاريع الصغيرة نجحت هناك تجارب في الهند وبعض الدول الآسيوية التي تشير إلى نجاح حتى المشاريع الصغيرة، التي تبنتها في البداية الأمم المتحدة. تطور الأمر إلى درجة أن هناك قرى وأحياء كاملة في الهند يتم إنارتها من فضلات البقر. يعود سبب نجاح هذه المشاريع، خاصة في القرى الصغيرة والمنعزلة، إلى انخفاض تكاليف الحصول على الغاز من روث البقر. فكل المطلوب هو حفرة يجمع فيها روث البقر وغطاء بلاستيكي يمثل "الخزان" الذي يجمع فيه الغاز، وأنبوب يصل إلى مولد الكهرباء في القرية. أنا على قناعة تامة بأن أفضل مصدر متجدد للطاقة هو روث الحيوانات (إضافة إلى تدوير مخلفات المدن) لأسباب كثيرة منها توافره في كل مكان، وانخفاض تكاليف إنتاج الغاز والحرارة منه، وسهولة الحصول عليه محلياً، ولأنه يخلص المجتمع من فضلات يتطلب التخلص منها تكاليف إضافية، ولأنه لا يحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة تتحكم بها الدول الصناعية. إضافة إلى ذلك فإن قوى السوق تدعم هذا المصدر المتجدد حيث إنه يمكن تطوير مشاريع طاقة محلية دون دعم حكومي لهذه المشاريع، كما هي الحال في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي. وأفضل ما في هذا النوع من الوقود المتجدد أنه يوفر الطاقة للفقراء في شتى أنحاء العالم، الذين يعانون من نقص شديد في الطاقة، ويعوض عن الأذى البيئي الذي يسببه اجترار البقر. إن كمية الغازات المنبعثة من البقر تحتم استخدام روثه للتخفيف من الأثر البيئي المدمر لهذا الغازات. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: متى نرى مشاريع كهذه في مزارعنا؟ هل سيؤدي انتشار هذا الوقود إلى تخفيض الطلب على النفط؟ مهما زاد استخدام هذا النوع من الوقود فإنه لن يؤثر بشكل ملحوظ في الطلب العالمي على النفط لأن أغلب استخدام النفط في قطاع المواصلات، واستخدام المجتمعات الفقيرة من النفط، خاصة في فترات ارتفاع الأسعار، يعد بسيطاً بكل المقاييس. نظراً لتوقع زيادة الطلب على الطاقة بشكل أسرع من التوسع في الطاقة الإنتاجية للنفط، فإن أي إضافة من أي مصدر آخر للطاقة ستسهم في حل أزمة الطاقة في العالم. حتى البقر سيسهم في حل أزمة الطاقة في المستقبل...يا عزيزي!
إنشرها