التمويل بالهامش .. ما له وما عليه؟

[email protected]

يعد التمويل بالهامش من الأدوات المالية المهمة في الأسواق المالية العالمية حيث يتم استخدام هذا النوع من التمويل من قبل المستثمرين بشكل واسع للمضاربة على العملات والمعادن الثمينة والنفط والأسهم (سوق الإصدارات الأولية والسوق الثانوية)، بسبب أن هذه الأداة المالية تتيح للمستثمرين الحصول على قوة شرائية مضاعفة في سبيل تحقيق مكاسب أو خسائر كبيرة دون الحاجة إلى رؤوس أموال ضخمة.
كمثال على ذلك، يرغب أحد المستثمرين في المضاربة على عملة اليورو برأسمال يبلغ خمسة ملايين دولار أمريكي ولذلك يقوم هذا المستثمر بطلب هذا النوع من التمويل من بنك ما للمضاربة على اليورو من خلال رأسمال يبلغ 50 مليون ريال بدلا من رأس المال الأصلي لأن البنك سيقوم بتمويله بفرق رأس المال البالغ 45 مليون ريال (تسع مضاعفات) مقابل عمولة على المستثمر بشرط ألا تتجاوز خسارة المستثمر رأسماله البالغ خمسة ملايين دولار أمريكي. فإذا ارتفعت قيمة محفظة المضاربة بنسبة 10 في المائة فإن المستثمر سيحقق مكاسب تقدر بضعف رأسماله، أما إذا انخفضت بنسبة 10 في المائة فإنه سيخسر كامل رأسماله.
تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي، بحكم إشرافها المباشر على القطاع البنكي، بوضع الضوابط المنظمة للتمويل بالهامش بين البنوك السعودية للتأكد من انخفاض المخاطر على البنوك وعملائها على حد سواء، بسبب المخاطر المرتفعة جدا على هذا النوع من التمويل إن لم يكن هو أخطر المنتجات المصرفية على الإطلاق. تتضمن هذه الضوابط في مجال تداول الأسهم، ألا تزيد قيمة التمويل على قيمة محفظة المستثمر المكونة بشكل رئيسي من شركات قيادية /عوائد مما يعني أن قيمة التمويل بالهامش في البداية يجب ألا تزيد على نصف القوة الشرائية للأسهم.
على الرغم من ذلك، فإن التمويل بالهامش في سوق الأسهم (من المفترض) أن تكون له إيجابيات كثيرة من أهمها أنه يعزز عمليات الشراء في السوق إضافة إلى القيام بصنع التوازن بين العرض والطلب خلال تعديل نسب التمويل بما يتوافق مع حالات الشراء المفرط (التقييم المرتفع) أو البيع المفرط (التقييم المنخفض) فمثلا، يتم تخفيض نسبة التمويل المسموح بها إلى ربع القوة الشرائية عندما تصل السوق إلى مستويات مرتفعة من التقييم لتشجيع المستثمرين على البيع، أو يتم رفع نسبة التمويل إلى ثلثي القوة الشرائية عندما تصل السوق إلى مستويات منخفضة من التقييم لتشجيع المستثمرين على الشراء. هذا يدل على أنه بالإمكان استخدام هذه الأداة المالية للقيام بدور صانع للسوق في أسلوب مشابه لاستخدام أسعار الفائدة كأداة من أدوات السياسة النقدية في رفع أو خفض العرض النقدي.
في المقابل، يجب أن نضع في اعتبارنا دائما أن التمويل بالهامش ينطوي على سلبيات عديدة تزيد من حجم المخاطرة على السوق المالية، من أهمها: أن عمليات إغلاق المراكز المفتوحة نتيجة للتمويل بالهامش أو عمليات تخفيض نسبة التمويل على المستثمرين هي في الحقيقة تعزز عمليات البيع على الأسهم القيادية بشكل مركز، مما يعني الضغط على الأسهم الجيدة والمؤشر العام للسوق في حين لا تواجه أسهم المضاربة أي ضغوط بيعية لأنها من الأساس خارج لعبة التمويل بالهامش.
في السياق نفسه، نجد أن سلبيات التمويل بالهامش في سوق الإصدارات الأولية أكثر خطورة لأن البنوك تقوم بها قياسا على نسبة التغطية المتوقعة للاكتتاب العام دون إجراء دراسات ائتمانية لكل عميل. فمثلا، يطلب أحد المستثمرين من بنك ما الحصول على تمويل للدخول في اكتتاب عام بحيث يقوم المستثمر بدفع مبلغ مليون ريال على أن يقوم البنك بتمويل الاكتتاب بمليون ريال آخر ليصبح إجمالي المبلغ المكتتب به هو مليوني ريال اعتمادا على أن نسبة تغطية الاكتتاب ستكون مرتين على الأقل حتى يتمكن البنك من تغطية مركزه المكشوف دون الرجوع للمستثمر.
لكن ماذا لو تمت تغطية الاكتتاب بأقل من ذلك ولتكن بنسبة 100 في المائة فقط؟
عندها سيقوم البنك بإرغام المستثمر على تغطية مركزه المالي المكشوف خلال أيام معدودة بشرط أن يكون ذلك قبل تداول السهم في السوق، وإلا فإن البنك سيضطر إلى بيع الأسهم المخصصة للمستثمر بأي سعر كان مع أول أيام التداول. لو افترضنا أن 20 في المائة فقط من المستثمرين لم يتمكنوا من تغطية مراكزهم المكشوفة قبل إدراج سهم الشركة المكتتب بها، عندها من المحتمل أن نجد انخفاضات حادة في سعر السهم مع أول أيام التداول قد تؤثر سلبيا في أسعار باقي الشركات المدرجة في السوق المالية (لا سمح الله). ما يزيد الطين بلة، أن بعض البنوك قد تلجأ إلى تجاوز نسبة التمويل المسموح بها بهدف إرضاء كبار عملائها، وهذا بدوره يرفع مستوى المخاطرة على السوق المالية في ظل صعوبة تطبيق الرقابة السابقة على البنوك لمنع مثل هذه المخالفات قبل وقوعها.
باختصار، إن التمويل بالهامش يمثل أداة مالية مهمة تستخدم بشكل أساسي من قبل كبار المستثمرين بغرض المضاربة قصيرة الأجل، إلا أن استخدامها في السوق المالية يرتبط بالعديد من الجوانب الإيجابية والسلبية مما يعني وجوب التعامل معها باحترافية تامة للوصول إلى مستوى الاستخدام الأمثل. المهم هو كيف لنا أن نوظف هذا النوع من التمويل لخدمة مصالح السوق من خلال تعظيم الإيجابيات وتحجيم السلبيات قدر الإمكان؟
سؤال مهم يجب علينا جميعا الإجابة عنه

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي