غش وخداع.. وشائعات وعروض وهمية.. وهوامير والضحية صغار المساهمين

غش وخداع.. وشائعات وعروض وهمية.. وهوامير والضحية صغار المساهمين

السلوكيات البشرية الخاطئة التي تمارس في أسواق المال ومواقع الإنترنت، ومنتديات الأسهم، صعبة المنال من أن تُكبح أو أن تُمنع من خلال وسائل مادية مهما كانت فعالة ومستنفذة للوقائع، وأن الحاجة لتفعيل الأخلاق الحسنة، ومحاربة الأخلاق المذمومة فضلا عن أنها ذات أثر محمود ومجرب، إلا أنها تأتي منسجمة مع ما يمليه علينا تشريعنا الإسلامي العظيم من كسب المال مع مراقبة الله في التصرفات حين تغيب كل الأنظار والعيون.
وإن نظرة فاحصة لما وقعت فيه سوق المساهمات المالية من خسائر تستدعي النظر إلى مسبباتها الشرعية من انتشار مخالفات وأخلاق مذمومة كان أول ضحاياها البسطاء.
"الاقتصادية" سلطت الضوء على ظواهر منتشرة في سوق الأسهم المالية، واستطلعت عدداً من أصحاب الفضيلة المشايخ لمعرفة الحكم الشرعي فيها. إلى التفاصيل:
بداية قال مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ إن ما يمارسه بعض المتداولين (الجروبات) في الأسهم من رفع وخفض لأسعار الأسهم قد يكون من النجش، وحقيقة النجش أن يسوم الإنسان سلعة لا يريد شراءها ولكن لينفع البائع أو يضر بالمشتري، فإذا كانت السلعة التي يساوم عليها قيمتها 700 ريال مثلا يأتي مشتر آخر ليرفع سعرها إلى ألف ريال مثلا وهو لا يرغب شراءها، وأن ما يهدف إليه رفع سعرها فقط بهدف إفادة البائع أو يحدث العكس فينقص قيمتها لأجل أن ينفع المشتري، وقد تكون السلعة ملكا للبائع وللسائم منه فتكون السلعة ملكا للشخصين ولكن أجريا هذه العملية لأجل الإضرار بالآخرين، فكذلك الأسهم (أسهم الشركات) على اختلافها إذا حصل من أحد عرض ومن الآخر مساومة (زيادة أو نقص) من السعر بأن اتفق الأشخاص على أن يقللوا من سعرها لأجل أن يشتروها هم ويحرموا الآخرين أو أن يضروا البائع ليحوزوها ثم يبيعونها بما يريدون، فكل هذا من النجش، فلا يجوز لأحد المساومة على السلعة وهو لا يريد أن يشتريها وإذا اتفق هؤلاء صارت مفسدة عظيمة.
والواجب على كل الناس أن يتقوا الله وأن يكونوا واضحين في تعاملاتهم المالية، حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حق المتبايعين (فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)، فعلى الجميع تقوى الله وأن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه فإذا صدق الناس في تعاملهم فإن رزق الله سيعم، أما إذا تحايل البعض على الآخر وأراد أحد أن يستحوذ على المال لأجل المطامع فهذه الأموال قد يكون في دخولها عليه شبهة نسأل الله العافية.
وحول الشراء والبيع في سوق الأسهم بناء على معلومات داخلية قال سماحته إن هذا غش لا يجوز وينبغي ترك المجال للناس كل ينال ربحه فلا يجوز أن يخص ناسا بمعلومات دون آخرين لأن هذا من إفشاء سر الأعمال فيجب ترك ذلك ودعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.
الدكتور عصام الحميدان الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران تناول من ناحيته صورا من الأخلاقيات المنتشرة في سوق الأسهم والتي تخالف الشريعة الإسلامية ومن تلك الأخلاقيات الإشاعات والأكاذيب ونشرها فإن إضرار المسلمين حرام، قال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، وقال "لا تحاسدوا" والكلمة أمانة، قال سبحانه "إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً" (الإسراء:36)
فلا يجوز الكذب في نقل أسعار الأسهم، والافتراء على الأشخاص، وربما حلف بعضهم كاذباً في مواقع الإنترنت، ومنتديات الأسهم، وهذا يمينٌ غموس يغمس صاحبها في النار ـ عياذاً بالله - قال صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد، لقي الله وهو عليه غضبان " رواه أحمد والنسائي عن عدي بن عميرة، رضي الله عنه، وهو في الصحيحين بنحوه عن ابن مسعود رضي الله عنه.

وربما عدّ بعضهم ذلك شطارة, وذكاء، وهو لا يعلم أنه يوقع إخوانه المسلمين في الحرج، والخسارة، وربما قال: لم أجبر أحداً على الشراء والبيع، ولكن أليس هو من أراد الناس أن يثقوا به، فكان عند سوء ظنهم، وأصبح غير محل ثقة.
ودعا فضيلته إلى الأمانة في المال، والنصيحة للمسلمين وذلك بتبيين عيب الأسهم وحالها الصحيح، فلا يبيع على أحد شيئاً يعلم أنه خاسر، ويوهمه أنه رابح، فإن هذا غش، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" وقال "من غشّ فليس منا" رواهما مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لأحد يبيع شيئاً إلا بيَّن ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بيَّنه" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن واثلة بن الأسقع، رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" متفق عليه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه ونهى صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان.متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه لأنه يؤدي إلى غبن البائع، فإن كان لا بدّ فالسكوت.
ودعا فضيلته إلى اتقاء الله تعالى في أموال الناس من قبل الوكلاء والوسطاء، وحفظ الحقوق، وعدم طلب الربح الفاحش بالسمسرة داعيا أمانة مجالس الإدارات في البعد عن الحرام والربا، والتماس منفعة الناس، مؤكداً أن لمجالس الإدارة دورا كبيرا في توعية المساهمين بأنواع المساهمات، والصحيح منها، والرابح، والخاسر، والسعر الحقيقي، وغير ذلك.
الدكتور يوسف بن أحمد القاسم الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء أبدى تأسفه من تفشي ظاهرة إشاعة الكذب في السوق وأن هناك من جعل هذه مطيّته في تحقيق المكاسب وجني الأرباح، فترى مجموعة من المساهمين أو المضاربين في السوق يشترون أسهماً في إحدى الشركات بثمن بخس، وعلى سبيل التواطؤ، ثم يشيعون خبراً ما عبر منتديات الإنترنت وعبر رسائل الجوال، ونحو ذلك مما ينتشر معه الخبر انتشار النار في الهشيم، فيشيعون ـ مثلاً - بأن رأسمال تلك الشركة سيرتفع بسبب منحة، أو بأن للشركة مستحقات لدى الدولة سوف تتسلمها في القريب العاجل، أو بأنها ستوقع عقوداً معينة مع إحدى الدول،... إلخ، ويكذبون مع هذه الإشاعة مائة كذبة!! فيشيع الخبر في أوساط المضاربين، ولا سيما الصغار منهم ممن لا يعون حجم الخطر المحدق بهم، فيقبلون على شراء أسهم تلك الشركة، فترتفع قيمتها بسبب كثرة الطلب، ويبيع أولئك المشيعون للخبر ما لديهم من أسهم، ثم تهوي القيمة السوقية لتلك الأسهم، ويتضح أن هذا الارتفاع خيال لا واقع، فتقع الكارثة بسبب تلك الإشاعة الآثمة، وشعار هؤلاء المتلاعبين بالسوق المقولة السائدة "اشتر على الإشاعة وبعْ على الخبر!!" وهكذا تكون أموال الناس ألعوبة في أيدي من لا أخلاق له، ومن غش المسلمين فليس منهم. وهذا واقع ثانٍ.
الدكتور عبد اللطيف بن عبد الله الوابل الأستاذ في كلية الاقتصاد، جامعة الملك خالد، أكد من جانبه أن السوق بحالتها الراهنة تحتوي على مخالفات شرعية أخرى كما في احتكار المعلومات والتحكم فيها إضافة إلى ما يحصل من خداع وكذب وغش وتسريب لمعلومات خاطئة داخل السوق مما يفوت المصالح المرجوة ويجلب المفاسد، فلقد أخبرني من أثق به ممن تعامل في هذه السوق بأن هناك اتفاقات سرية تعقد بين بعض كبار المضاربين وبعض الشركات لرفع قيمة أسهمها أضعاف أضعاف ما هي عليه حقيقة ليزداد سهمها صعوداً فيشتري هؤلاء أسهمها لإغراء الآخرين بذلك ممن لا يملكون هذه المعلومات الخادعة والتي تقف وراء اللعبة ثم يقوم هؤلاء المضاربون بعد فترة وجيزة وقبل اكتشاف اللعبة ببيع أكبر كمية ممكنة من الأسهم لجني الأرباح ومقاسمتها مع تلك الشركة المتآمرة وفي هذا ما فيه من الاحتيال والكذب والإضرار بالغير بل بالمجتمع كاملاً فهذه السوق لها تأثير كبير في الاقتصاد الكلي ولا يفقه هؤلاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه (من غشنا فليس منا) والحديث الآخر: (لا يحل لأحد باع بيعاً فيه عيب إلا بينه).
أعضاء متواطئون
الشيخ محمد بن صالح المنجد عدد لنا أمثلة لما يدور في أسواق المال من أخلاق مذمومة فيقول عن ذلك الشائعات غير الصحيحة، معرفة الأخبار من فئة معينة قبل غيرها وهذا احتكار غير جائز شرعا، العروض التي تتغير قبل افتتاح السوق بدقيقة هذا نوع من الغش والتدليس عروض ضخمة يضعها المساهم ليوحي للمساهمين بأن هذا سعرها وهذا يعتبر غشا، وشراء جهازي كمبيوتر كل واحد على الشبكة للتداول وهو يبيع من هذا لهذا ويشتري ألف سهم ويبيع 500 ويكرر العملية عدة مرات يوهم الأشياء فالناس تقبل مثلا فهو من نفسه لنفسه يتلاعب في السوق، كذلك تواطؤ مجموعة من المساهمين على حركات معينة تؤدى إلى إفلاس هؤلاء المستثمرين الصغار بسبب هذه التواطؤات، هذه التكتلات، ومن ذلك تصريحات أعضاء مجلس الإدارة في شركات بالكذب من أجل أن يؤهم الناس مثلا بنتائج طيبة حتى يرتفع السعر أو العكس لأن لهم مصلحة مع مساهمين لشراء سعر السهم بسعر منخفض ويقولون إن هذا عمولة.

الأكثر قراءة