الأهمية الاقتصادية لخدمات النقل العام في مدينة الرياض

تأتي السعودية في صدارة دول العالم من حيث نسبة عدد السيارات الخاصة إلى عدد السكان, كما تزيد نسبة استخدام الأفراد سياراتهم الخاصة في التنقل في المدن. فما زالت المركبة الخاصة هي وسيلة التنقل السائدة, بما تسببه من مشكلات الازدحام المروري والتلوث البيئي وارتفاع التكلفة الاقتصادية. وفي المقابل ينخفض استخدام خدمات النقل العام بشكل ملحوظ, إذ يشير الكتاب الإحصائي لوزارة الداخلية إلى أن إجمالي عدد رخص السير الجديدة التي تم تجديدها هذا العام في منطقة الرياض وحدها بلغ 92425 رخصة؛ في حين لم يتجاوز عدد رخص الحافلات العامة سوى 318 رخصة. وتشير بعض الدراسات إلى أن مستوى النقل العام في مدينة الرياض لم يتجاوز نسبة 2 في المائة من الرحلات اليومية التي يقوم بها الأفراد, وهي نسبة قليلة جداً مقارنة ببعض العواصم العالمية مثل لندن التي تبلغ فيها هذه النسبة 90 في المائة.
ولكن هنالك عوامل عديدة بدأت تقود تدريجياً إلى ازدياد جاذبية المواصلات العامة كوسيلة لانتقال الأفراد في المدن الكبرى, ومنها مدينة الرياض, منها الازدحام المروري والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية. ويتوقع أن تحظى هذه الوسيلة في المستقبل القريب بأهمية خاصة فيزيد الإقبال عليها من قبل المواطنين والمقيمين على غرار ما هو سائد في الغالبية العظمى من العواصم العالمية, بحيث تؤدي دوراً مهماً ورئيسياً في حياتنا العامة.
وأرى أن الوصول إلى المرحلة التي توجد فيها مواصلات عامة منتظمة في خطوط ثابتة ومواعيد محددة أمر ليس صعب المنال, لكنه يتطلب اتخاذ عدة إجراءات: أولها: تطوير خدمة النقل العام في مدينة الرياض, بإعداد أسطول نقل من المركبات العامة المجهزة بأحدث التقنيات المتطورة, وسائقين مؤهلين فنياً ويرتدون زياَ موحداً, أن تغطي خدمات النقل العام جميع أحياء المدينة, أن يتم تخصيص حافلات خاصة للنساء, ويكون هنالك جداول منتظمة للمواعيد وخطوط السير, يتم تحديد أماكن وقوف الحافلات وتجهيزها بالمظلات والأرصفة واللوحات الإرشادية, وتحسين الخدمة مما يكفل راحة الركاب ويشجعهم على استخدام هذه الوسيلة في التنقل.
والواقع أن هذا الأمر ليس مستحيلاً, بل يمكن تحقيقه بسهولة لتوافر الإمكانيات المادية والبشرية, إلا أن العامل الأهم من ذلك هو العامل الاجتماعي الذي يتمثل في تغيير النظرة العامة لوسيلة المواصلات العامة لدى المواطنين, لأن البعض ينظر إلى هذه الوسيلة على أنها مخصصة لانتقال العمالة غير المؤهلة وذوي الدخل المحدود وغير القادرين على امتلاك سيارات خاصة, أي أن هنالك نظرة دونية لمن يستخدم المواصلات العامة في تنقلاته, ولكن يجب في المرحلة المقبلة أن يتم تغيير هذه النظرة بأن يؤخذ في الاعتبار الجوانب العملية والاقتصادية. ذلك أن وسائل النقل العامة أقل تكلفة من وسائل النقل الخاصة, ولذا يلزم الفصل بين التنقل للوصول إلى مقر العمل وبين القيام برحلة نزهة أو زيارة خاصة, إذ ليس هناك ما يمنع الموظف أو العامل من الذهاب إلى العمل بوسيلة نقل عامة دون حاجة إلى تخصيص سيارة أو سيارات لهذا الأمر؛ أما النزهة والزيارات الخاصة فيمكن أن تخصص لها مثل هذه السيارات. فالنظر إلى الأمور بواقعية يمكن أن يسهم في حل مشكلات عديدة. وعلى ذلك فتغيير النظرة إلى وسائل النقل العامة سوف يسهم ليس فقط في إيجاد حل لمشكلة الانتقال داخل المدينة, بل سيكون له أثر غير مباشر لا يقل أهمية يتمثل في تعويد الناس والشباب خاصة على الواقعية والقدرة على مواجهة الظروف كافة والتعامل معها بعيداً عن القيود الاجتماعية. هذا فضلاً عن الدور الذي يمكن أن تؤديه وسائل النقل العامة من الناحية الاقتصادية لكونها تسهم بشكل مباشر في مساندة جميع الخدمات المقدمة للمواطنين.
والحقيقة أن تطوير خدمات النقل العام في مدينة الرياض يمكن أن يحقق ميزات عديدة منها الإسهام في التوصل إلى حل لمشكلة الازدحام المروري, حيث أسهم النمو السريع في عدد السيارات في تفاقم هذه المشكلة بشكل ملحوظ, خاصة في وسط العاصمة. إذ على الرغم من الاستثمارات الضخمة وشبكة الطرق الحديثة التي تم إنشاؤها فيها, إلا أن الواقع العملي يشهد, وتؤيده التجارب العالمية, بأنه يصعب, بل قد يستحيل, القضاء على الازدحام المروري في المناطق الواقعة في وسط المدينة إلا من خلال تخفيض عدد السيارات الخاصة, وذلك بتشجيع وتحفيز قطاع كبير من السكان على استخدام الحافلات العامة في تنقلاتهم, وإنشاء جسور وأنفاق في أماكن التقاطعات لسهولة انسياب حركة سير المركبات. هذا فضلاً عن أن تطوير مرفق النقل العام يمكن أن يساعد على التخفيف من ازدحام مواقف السيارات في وسط المدينة.
والأهم من ذلك هو قلة التكلفة الاقتصادية لخدمات النقل العام من حيث تأثيره المباشر وغير المباشر في دخل المواطن. فمن ناحية لا يستطيع أحد أن يتجاهل قلة تكلفة النقل العام مقارنة بتكلفة السيارات الخاصة. أما من ناحية أثره غير المباشر فيبدو عند حساب تكلفة اقتناء سيارة خاصة وتخصيصها لتنقلات الزوجة والأولاد بما يحمله من تكلفة استقدام سائق وإقامته وراتبه الشهري. هذا فضلاً عن أن توفير وسائل للنقل العام منتظمة ومجهزة في مدينة الرياض وغيرها من المدن السعودية يمكن أن يؤثر بطريقة مباشرة في اجتذاب السياحة التي أصبحت من الروافد الاقتصادية المهمة التي تتمتع بأهمية خاصة في الوقت الراهن.

المزيد من الرأي