الإنترنت والشباب والحوار مع الآخر

يتسم العصر الحاضر بأنه عصر ثورة المعلومات والاتصالات, إذ إنه يتيح فرصاً عديدة للتقارب والتداخل والتفاعل بين المجتمعات بعضها البعض وبين الأفراد والمجتمعات بصورة مذهلة وغير مسبوقة, بحيث أضحت الشبكة الدولية للاتصالات (الإنترنت) من أهم وسائل الاتصال بين الأمم والشعوب, وعلى الرغم مما حققته هذه الشبكة العالمية من ميزات إلا أن لها آثارها السلبية, إذ يتم استخدامها في المجالات الأمنية من قبل جماعات الإجرام المنظم في ارتكاب جرائمهم المنظمة عبر الوطنية, مثل جرائم الاتجار بالمخدرات وجرائم الاتجار بالنساء والأطفال وغسل الأموال والإرهاب الدولي, وجرائم الإنترنت المتمثلة في السطو على الحسابات المصرفية بالبنوك وغيرها من الجرائم المستحدثة. والملاحظ أن هذا النوع من الجرائم يرتكبه الشباب غالباً, كما أن لها مثالب وسلبيات كثيرة, بعضها يتعلق بالأخلاق والدين, والآخر يتعلق بالأضرار الاجتماعية والنفسية والصحية والإجرامية. فمن أهم الأضرار الأخلاقية استخدام بعض المواقع المروجة للجنس, ففي إحصائية أجرتها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أشارت فيها إلى أن نسبة محاولات الوصول إلى مواقع محظورة على الشبكة العالمية تشكل ما نسبته 5 إلى 10 في المائة من مجموع الحركة على الشبكة, وأشارت دراسة أخرى أجراها أحد المستشفيات إلى أن نسبة 93 في المائة من مستخدمي خدمة الإنترنت الموجودة في هذا المستشفى استخدموها استخداماً غير محمود أخلاقياً.
وعلى الرغم من هذه المثالب العديدة وغيرها لشبكة الإنترنت إلا أنها تُعد وسيلة فاعلة لتوسيع آفاق الشباب بحيث تنقله من بيئته ومحيطه الضيقين المنعزلين أحياناً إلى المجالات العالمية الرحبة, فقد أضحى الإنترنت سفينة الشباب للإبحار في خضم العالم الممتلئ بالثقافات والمعلومات, إذ يستطيع الفرد وهو في بيته أو مكتبه أو في سيارته أن يطًلع على ثقافات الآخرين ونظمهم السياسية والاقتصادية وعاداتهم الاجتماعية وسلوكياتهم, دون أن يتكلف مشقة الانتقال والسفر وما يترتب عليه من تكلفة مادية واقتصادية ووقت وجهد. فقديما قالوا سافر فإن في السفر سبع فوائد, والآن نقول إن الإنترنت وسيلة من وسائل السفر التي تحقق لمن يستخدمها بعض ميزات السفر دون أن يسافر بالفعل, يُضاف إلى هذا أن الإنترنت تُساعد الشباب على تطوير تفكيرهم الخلاق والإبداعي, وتُنمي لديهم استراتيجيات حل المشكلات, كما تُنمي لديهم مهارات التفكير العلمي, ومن ثم فهي تُعد وسيلة سهلة من وسائل التعلم طويل الأمد؛ كما أن الإنترنت تُساعد على تعليم الشباب اللغات الأجنبية وصقلها من خلال المحادثة والكتابة وتعلم مهارات استخدام الحاسب الآلي.
وإذا كانت مشكلة البطالة تُعد من أهم وأعقد المشكلات التي تواجه الدول على مختلف مستوياتها الاقتصادية, وثقلها في المجتمع الدولي, مع أن حدة المشكلة ودرجتها تختلفان من دولة إلى أخرى, فإن الإنترنت يساعد أهم فئات أفراد المجتمع وهم الشباب على الحصول على عمل مناسب, وذلك من خلال الاتصالات التي يقومون بها على الشبكة الدولية, التي تحوي عشرات المواقع المختصة باستقبال طلبات التوظيف وتصنيفها وإعطاء الرد لمقدم الطلب, فهي وسيلة متاحة أمام الشباب الراغب والجاد في التوظف, وتتميز بقلة تكلفتها الاقتصادية, فضلاً عن أنها تُعتبر بذاتها صناعة يُمكن أن يعمل فيها الشباب حال إجادتهم للتعامل معها وحصولهم على مؤهلات في مجال البرمجة والشبكات وتصميم الصفحات أو في مجال أمن الشبكات أو في مجال التجارة الإلكترونية والإعلانات التجارية وغيرها.
ولما كان التدريب قد أضحى ضرورة من ضرورات العصر الحاضر, بحيث يُقال إننا اليوم في عصر التدريب, حيث يحتاج الشباب إلى تعلم كثير من المهارات والخبرات العملية التي تؤهله وتساعده على اقتحام طريق الحياة والدخول إلى حلبة المنافسة والفوز, فالنصر فيها سيكون لمن يمتلك القدرات العلمية والعملية معاً, ومن ثم فإن الإنترنت تقدم له إمكانية لتطوير ذاته بالحصول على دورات تدريبية مجانية أو بأجور رمزية من خلال العديد من المواقع الموجودة على الشبكة الدولية, كما أنها تُساعدهم على الحصول على القبول في الجامعات العالمية من خلال الدخول إلى مواقعها وتعبئة البيانات المطلوبة للقبول وإرسالها إلى الجامعة المختارة ثم يأتيهم الرد مباشرة على موقع كل منهم. كما تحقق الإنترنت للشباب ولغيرهم في مجالات حل المشكلات الاجتماعية والنفسية والتربوية التي يُعاني منها البعض منهم لأسباب عديدة, والتي قد يخجل الفرد من طرحها مباشرة على المختصين من العلماء, فضلاً عما تحققه لهم من ميزات عدة في مجالات التسوق والتجارة الإلكترونية.
وأرى أن شبكة الإنترنت يُمكن أيضاً أن تلعب دوراً مهماً في حل قضايا الشباب؛ إذ إنها تُساعد على تقليل الفجوة بين المجتمعات والطبقات, فتسمح للشخص بأن يتحدث مع الآخر ويجري معه حواراً ثقافياً أو عاطفياً أو تجارياً أو سياسياً أو اقتصادياً دون أن تكون الفوارق الطبقية عائقاً بينهما, وبذلك يتم تدريب الشباب على الحوار والمناقشة وفهم وجهات نظر الآخرين وتقديم وجهة نظره بطريقة منطقية, وما أحوجنا اليوم إلى فهم الآخر والتحاور معه وتقديم ما لدينا من ثقافة وتراث وعلم إليه بلغة سهلة يفهمها, في قضايانا المعاصرة التي تقف وراء علاقاتنا معه بكل أبعادها الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية؛ ومن ثم فإن دور الإنترنت لا يقتصر على تسهيل وإدارة الحوار مع الآخر على المستوى الداخلي والفردي؛ بل إن أهميته تكون أكثر وفائدته أعم على المستوى الجماعي والدولي, في القضايا الكبرى؛ فمن خلاله يتم تقديم الرأي للآخر, وإذكاء روح الحوار وحرية التعبير, وإظهار ما تتميز به شريعتنا الإسلامية من مبادئ وقيم ومثل عليا تعد نموذجا تقتدي به الحضارة الحديثة, حتى تستطيع أن تحفظ توازنها وتحقق للإنسان رفاهيته وسعادته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي