خبراء التسويق يقولون: السلعة الغالية ليست هي الأجود دائما

خبراء التسويق يقولون: السلعة الغالية ليست هي الأجود دائما

يميل كثير من المستهلكين عند شراء سلعة ذات أسعار متفاوتة إلى شراء السلعة الأغلى ثمنا إيمانا منهم بأنها الأفضل، فتراهم يدفعون المبالغ الباهظة مقابل شرائها رغم وجود نوع آخر لنفس السلعة بسعر معقول، ويرى المواطن سلمان المحمود أنه شخصيا يميل إلى هذه الفكرة، ويذكر موقفا تعرض له يؤيد ذلك، فقد خرج سلمان في الشتاء الماضي مع بعض زملائه في نزهة برية مفاجئة، ونظرا لفجائية الرحلة فإنه لم يصطحب معه ما يحميه من البرد، فاضطر إلى شراء فروة من أقرب محل، ويذكر سلمان أنه وفي أثناء بحثه على عجالة وجد فروة وعليها سعرها، وكان السعر 25 ريالا، لم يفكر سلمان في السعر وأخذ الفروة وهو محتقر لها نظرا لسعرها الزهيد، لكنه اشتراها مضطرا عساها تدفئه ولو ليوم واحد، عندما وصل سلمان إلى المحاسب كانت المفاجأة.. المحاسب يطلب منه 250 ريالا. وعند استفساره عن ذلك اكتشف أنه لم يقرأ السعر جيدا ونسي قراءة الصفر، ويقول سلمان: "اشتريت الفروة بعد أن تغيرت نظرتي إليها، فقد احترمتها بعد أن عرفت سعرها الحقيقي". ترى؟! لم يميل المستهلك إلى شراء السلعة الأغلى سعرا؟ وما الذي يجعله مقتنعا بجودة هذه السلعة رغم أنه لا يعرف مدى جودتها؟ وهل السلع رخيصة الثمن هي دائما رديئة؟ يقول الدكتور صالح بن سليمان الرشيد أستاذ إدارة الأعمال والتسويق في جامعة الملك فيصل بالخبر: "من المفترض أنه كلما زاد الفرق بين التكلفة والمنفعة زادت القيمة، لكن الواقع يقول إن المستهلك في البيئات العربية يتبنى في كثير من الأحيان فكراً مفاده أنه كلما ارتفعت تكلفة حصوله على المنتج ارتفعت منافعه ومن ثم ارتفعت قيمته، ويعبر عن ذلك بمقولة " الغالي ثمنه فيه ". ويضيف الرشيد: "من وجهة نظري أن هذه الفلسفة القديمة التي يتبناها المستهلك العربي هي وليدة عصر قديم كان يتسم بانخفاض كفاءة الوسائل الإنتاجية وكذلك انخفاض كفاءة النظم الإدارية في مراكز التصنيع، ومن ثم لم تكن هذه المراكز قادرة على التوصل إلى حلول فعالة لمعادلة التكلفة والجودة. ولكن مع حدوث التطورات التكنولوجية المتلاحقة ومع تطور المعرفة الإدارية بمجالاتها المختلفة، ومع زيادة حدة المنافسة، بدأت المؤسسات الإنتاجية في الدول المتقدمة على وجه التحديد في البحث عن مناهج إدارية ووسائل إنتاجية متطورة تمكنها من حل المعادلة الصعبة ومن ثم تقديم منتج عالي الجودة بسعر ملائم، وقامت هذه المؤسسات بدراسات مستفيضة للبحث في الأسباب المؤدية إلى ارتفاع التكلفة والفاقد في الإنتاج، وبالفعل نجحت هذه المؤسسات في حل المعادلة، وبدأت ثورة حقيقية في كثير من الدول الصناعية للبحث عن الموارد التي تسهم في تخفيض تكاليف الإنتاج وتعظيم العائد في الوقت ذاته". ويضيف الرشيد: "الحقيقة أن المستهلك العربي على وجه التحديد لم يكن على مستوى الحدث ولأسباب متعددة لم يستطع أن يستوعب هذه التطورات وظل معتنقاً فلسفته القديمة "الغالي ثمنه فيه ". ويؤكد عثمان القصبي - مدير شركة رواج للاستشارات التسويقية والتدريب - وجود هذه "الفلسفة"، لكنه يوضح قائلا: "في الحقيقة ليس كل المستهلكين يميلون إلى السلعة الأغلى، فهناك شريحة من العملاء (Price Oriented) أو مستهلكون يهتمون بالسعر الأقل بالدرجة الأولى، في حين نجد شرائح تهتم بالجودة وأخرى بالاسم وغير ذلك". ويضيف: "ميل بعض المستهلكين إلى شراء السلعة الأغلى ناتج عن سببين رئيسين. أولهما: هو الانطباع السائد عن السلعة الأغلى أنها أفضل من حيث الجودة، وهذا الانطباع شائع وصحيح ولكن ليس على كل حال. أما السبب الثاني: فهو رغبة بعض المستهلكين في السلع المرتبطة ذهنياً بالفخامة (prestige) وفي هذه الحالة فإن المستهلك يشتري الاسم ويدفع هذه الزيادة بالسعر والتي تكون عادة زيادة كبيرة نسبياً مقابل أن يقال إنه يركب السيارة الفلانية أو يلبس الماركة الفلانية أو غير ذلك". هل بالفعل أن السلعة الأعلى سعراً هي الأكثر جودة؟ عن ذلك يقول الدكتور الرشيد: "لنكن واقعيين ولنقل إن السلعة الأعلى سعراً تتسم بجودة مرتفعة، ولكن لا يشترط أن تكون هي الأفضل أو الأكثر جودة. فهناك سلع أقل سعراً وذات جودة مرتفعة في الوقت ذاته. ولنأخذ مثالاً لذلك المنتجات اليابانية والتي تتسم بارتفاع أسعارها مقارنة بغيرها من المنتجات، فالمنتجات اليابانية بالفعل جودتها مرتفعة ولكن الآن هناك منتجات أخرى لا تقل جودتها عن المنتجات اليابانية مثل المنتجات الكورية والمنتجات الماليزية". ويؤكد القصبي كذلك أن السلعة الأغلى ليست هي الأكثر جودة دائماً، وينصح في الوقت نفسه كل مستهلك بأن يقوم بتحليل مدى ارتفاع الجودة مقابل ارتفاع السعر، ويضرب على ذلك مثالا فيقول: "عندما تشتري سلعة قيمتها ريال واحد وتدوم معك سنة أفضل من أن تشتري سلعة قيمتها خمسة ريالات تدوم ثلاث سنوات فقط، لأنه بإمكانك شراء سلعة جديدة كل سنة بريال وعندها فإنك ستدفع ثلاثة ريالات فقط بدلاً من خمسة في حال شرائك السلعة الأغلى". إذا كنت السلعة الغالية ليست الأجود دائما فما الذي زرع في نفس المستهلك القناعة بجودتها على كل حال؟ يقول عثمان القصبي مجيبا عن هذا التساؤل: "السبب هو الصورة الذهنية التي تجذرت في عقلية المستهلك، وهذه الصورة نتيجة استثمار ضخم في الإعلان والترويج وحملات العلاقات العامة، فمثلاً تجد أن إعلانات الساعات الغالية تملأ الصحف وبشكل يوحي بالفخامة والجودة والراحة، ومع كثرة هذه الإعلانات وترددها تنطبع الصورة في العقل الباطن للمستهلك إلى أن يقوم المستهلك بقرار الشراء والاستعمال، وعندها فإن هذه الصورة ستثبت أكثر إذا كانت تجربة المستهلك متوافقة مع ما بثه الإعلان والإعلام، أو أن هذه الصورة ستهتز أو تُنسى إذ لم يجد المستهلك في المنتج الصفات التي تروجها الشركة عنها وعندها تكون النتائج عكسية على الشركة". ويضيف الرشيد إلى ذلك سببا آخر ويقول: "ومما أسهم في ترسيخ هذه القناعة هو التجارب التي يعاصرها المستهلك العربي لمنتجات رخيصة الثمن ولكنها منخفضة الجودة في الوقت ذاته، وهي منتجات تقدمها مؤسسات إنتاجية محدودة الإمكانيات يحكمها منطق الربح السريع وليس ضمن أهدافها بناء علامة تجارية مميزة". إذا كانت هذه القناعة قد "تجذرت في عقلية المستهلك " كما قال عثمان القصبي، فكيف نقنع المستهلك بعكس هذه النظرة؟ وكيف يقاوم المستهلك بريق السعر المرتفع؟ يقول الدكتور الرشيد: "إقناع المستهلك بتغيير فلسفته التي اعتادها في تقييم جودة المنتجات التي تشبع احتياجاته هي مهمة المؤسسات الإنتاجية بالدرجة الأولى، من خلال إمداد المستهلك بمنتجات ذات جودة مرتفعة تلبي احتياجاته وتحقق له المنافع التي يرغبها، وفي الوقت ذاته يحصل عليها بأسعار ملائمة لقدراته الشرائية وغير مغال فيها، وبالطبع مع مرور الوقت ومع إثبات المنتج جدارته في السوق تتسع قاعدة مستهلكيه الذين يقومون بمهمة الترويج للمنتج بحث أقاربهم وأصدقائهم على استهلاكه، وبالطبع يجب أن تقوم هذه الشركات بتصميم حملات ترويجية هدفها تغيير اتجاهات المستهلك بشأن نظرته إلى العلاقة بين سعر المنتج وجودته، ولعل هذا يحدث بالفعل الآن عندما نطالع بعض الإعلانات التي تركز على ترويج فكرة "لماذا تدفع أكثر على الرغم من أنك يمكن أن تدفع أقل". من ناحية أخرى من المفترض أن تمارس وسائل الإعلام دوراً في هذا المجال من خلال توضيح التغيرات والتطورات التي تحدث في الصناعات والأسواق المختلفة والتي خلقت قواعد جديدة في عالم الإنتاج والاستهلاك. ثم يأتي دور الأجهزة الرسمية التي يجب أن تضع قوانين لحماية المستهلك من منتجات تقدم في السواق بأسعار منخفضة وبمستوى جودة منخفض أيضاً، وهي الظاهرة التي بدأت تنتشر في العديد من الأسواق التي امتلأت بالسلع المقلدة".
إنشرها

أضف تعليق