الطفل المعجزة

لم أستقبل خبر نجاح طالب أمريكي في حل لغز معادلة رياضية كانت قد حيرت علماء الرياضيات ولم يجدوا لها حلا منذ القرن التاسع عشر باعتباره خبرا عاديا، فقد توقفت عنده طويلا لأسباب عديدة سوف أوجزها فيما بعد.
وقد فاز "مايكل فسكاردي" البالغ من العمر 16 سنة بمنحة دراسية مجانية قيمتها مائة ألف دولار-وهي بالمناسبة أضخم جائزة تقدمها مؤسسة "سيمنس وستنجهاوس" للأفراد- جزاء على عبقريته الفذة التي أوصلته إلى ابتكار حل يتميز بالإبداع لمشكلة رياضية تقليدية معروفة كانت تصنف طوال قرنين من الزمان باعتبارها من المعادلات مستحيلة الحل، واصطلح على تسميتها بمشكلة "ديريتشليت" نسبة إلى عالم الرياضيّات الألمانيّ المعروف، بينما يؤكد العلماء إن ابتكار الطالب لا يشكل إنجازا نظريا فقط، فالنظرية الجديدة جاهزة للتطبيق في فروع عديدة في مجالي الهندسة والفيزياء، وستساعد بشكل عملي في تطوير تصميمات أجنحة الطائرات.
المثير أن الطالب لم يكن ينتمي أصلا إلى مدرسة محددة، وإنما كان يدرس بالنظام المنزلي منذ أن كان في الصف الخامس الابتدائي، وكان يتلقى دروسا في علم الرياضيات في جامعة كاليفورنيا في مدينة سان دييجو ثلاثة أيام أسبوعيا، ويعمل والده مهندس برمجيات، بينما تفرغت والدته لأداء واجباتها نحو بيتها وأسرتها رغم حصولها على درجة البكالوريوس في علم الأعصاب.
ويقول مايكل "ما زلت لا أصدق نفسي وما زلت واقعا تحت تأثير الصدمة حتى الآن"، وشرح لوسائل الإعلام كيفية وصوله إلى سر فك لغز المعادلة المحيرة، حيث ظل يحاول حلها لمدة ستة أشهر كاملة، وقال إنه تلقى مساعدة وتشجيعا من أستاذه في الجامعة، بينما تقول مديرة أبحاث سابقة في المؤسسة الوطنية لأبحاث الصحة، والتي ناقشت نظريات الطالب، إنه يمثل معجزة فعلا، ولا يستطيع أحد تخيل الحدود التي يصل إليها مستوى فهمه للمسائل الرياضية خلال المناقشة، إنه حالة تدعو للاندهاش فعلا!
كما تقاسم شاب وفتاة "16-17 سنة" على جائزة بنفس القيمة، 100 ألف دولار، حيث طورا تقنية جديدة على الحاسب الآلي يمكن من خلالها تحديد الجذر الجيني لبعض الأمراض العقلية الموروثة مثل الزهايمر والشرود والهوس، ورغم أن الطالب والطالبة من مدرستين مختلفتين، إلا أنهما تلاقيا في مؤسسة بحثية كانا يمارسان فيها شغفهما العلمي، وهناك تمت مساعدتها في إنهاء المشروع من أعضاء المركز البحثي. وأكدت الفتاة أنها اكتشفت ولعها بعلم الأحياء أثناء تشريحها لمقلة عين البقرة أثناء عملها الأكاديمي.
وأذكر في هذا الصدد أن مؤسسة سيمنس، التي تأسست عام 1998، تهدف إلى الارتفاع بالمستوى العلمي للطلاب، من خلال توفير الجوائز المادية القيمة لهم، وكذلك المنح الدراسية وخاصة في مجال الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا، وهي توزع سنويا نحومليوني دولار على الطلبة المتميزين.
وتكشف هذه القصة عن عدة دروس مهمة، لعل أهمها أننا نضع آليات السباق الذي يبذل فيه شبابنا وخاصة المراهقين منهم مجهودهم ويولونه اهتمامهم، وأننا نزرع فيهم ترتيب أولويات القيم، فكل الطلبة الحائزين على الجوائز ما برحوا يؤكدون أنهم حصلوا على المعاونة والتشجيع من معلميهم وأساتذتهم، ومقارنة بسيطة بين القصة المذكورة وملايين القصص التي نشاهدها يوميا في بلادنا تجيب عن السؤال الصدمة وهو: علام نشجع مراهقينا وبم نكافئهم؟!
أما الدرس الثاني فتؤكده قصة الطالب الأول والذي أكد أن العباقرة ليس لهم مكان محدد نجدهم فيه ببساطة، ولكن عبقريتهم قد تلمع تحت أي ظروف وفي أي مكان، فلم يكن نظام التعليم المنزلي حاجزا يقف دون أن تلمع موهبة هذا الطالب، وبمقارنة بسيطة يمكننا أن نرى أنظمة تعليم في بلادنا تعتبر الدارسين بالنظام المنزلي هم الفشلة الحاصلون على درجة راسب مقدما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي