استراتيجية لتنمية الصادرات السعودية (الواقع والمأمول في المرحلة المقبلة)

تُعد قضية تنمية الصادرات من أهم القضايا المحركة للتنمية الاقتصادية في الدول النامية والمتقدمة كافة. وتزداد أهمية هذه القضية مع قرب انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية في غضون الأيام القليلة المقبلة, حيث ستترتب على هذا الانضمام زيادة حدة المنافسة بين السلع والمنتجات المحلية والأجنبية سواء فيما يتعلق بالجودة أو بالأسعار, وهذا يتطلب توجيه مزيد من الجهد نحو تنمية الصناعات المحلية وتوجيهها لسد حاجة السوق المحلية أولاً ثم الانتقال إلى آفاق الأسواق العالمية للمنافسة فيها, بما يؤدي إلى زيادة الدخل الوطني.
إذ يتحدد معدل نمو الدخل الوطني في الدول النامية بالدرجة الأولى بقدرتها على استيراد سلع التنمية الأساسية التي تعرف لدى الاقتصاديين باسم واردات المدخلات, والتي تتوقف على القدرة التصديرية للدولة, وهي تعتمد على حجم كل من الإنتاج والاستهلاك العام والخاص. وعلى ذلك فإن معدل نمو الدخل القومي لأية دولة نامية "وهو ما يعرف أيضاً بمعدل تكوين رأس المال" يتوقف في التحليل النهائي على مدى قدرتها على استيراد سلع التنمية التي لا يمكن للتكوين الرأسمالي أن يتحقق أصلاً في غيابها. ومن ثم يشترط لزيادة وتنويع الفائض المعد للتصدير بالقدر الذي يسمح بتنمية قدرة الدولة على استيراد سلع التنمية أن يتوافر شرطان: هما: تنويع الإنتاج الوطني وتنظيم الاستهلاك المحلي.
يذكر أن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية قد بلغ عام 2004, نسبة نمو مقدارها 5.3 في المائة, وبلغ نحو 250 مليار دولار بالأسعار الجارية. وارتفعت قيمة الصادرات غير النفطية لتصل إلى أكثر من عشرة مليارات دولار. وبلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي نحو 44 في المائة وبمعدلات نمو مرتفعة بلغت 57 في المائة في العام الماضي. وعلى الرغم من هذه النسبة من المساهمة لقطاع الصادرات في الناتج المحلي الإجمالي إلا أنها مازالت مساهمة متواضعة وذلك مقارنة بقيمة الصادرات النفطية. ولهذا فإن المرحلة المقبلة تتطلب العمل على تنمية الصادرات غير النفطية وتنشيطها. وفي هذا الإطار يجب التفرقة بين مصطلحي: تنمية الصادرات وتنشيط الصادرات. فالأول يقصد به وضع استراتيجية وطنية لتنمية الصادرات في الأجل الطويل, أما الثاني فيقصد به وضع استراتيجية وطنية لتشجيع الصادرات في الأجل القصير عن طريق حث الطلب الكلي في اقتصادات الدول التي تمتلك أجهزة إنتاجية مرنة من خلال مجموعة من السياسات التسويقية التي تهدف إلى تصحيح التشوهات السعرية في السلع المراد تصديرها ومحاولة ملاءمتها مع الأسعار العالمية, وإجراء الدراسات التسويقية التي يمكن من خلالها اختيار الأسواق التصديرية التي تتناسب مع مستويات الإنتاج بما يُمكن من استغلال الطاقات العاطلة والاستفادة من مميزات الإنتاج الكبير.
ومن أهم العوامل التي يمكن أن تساعد على نجاح استراتيجية تنمية الصادرات في السعودية:
ـ التوسع في تطبيق نظم وبرامج تحرير الواردات, إذ إن هذا من شأنه أن يساعد على زيادة حدة المنافسة بين المشاريع الاستثمارية, مما يدفعها إلى تحسين مستوى الجودة وتخفيض نفقات الإنتاج والاستخدام الكفء للموارد الاقتصادية وتخصيصها بين فروع الإنتاج المختلفة طبقاً لقاعدة الميزة النسبية أو المقارنة. ذلك أن القيود على الواردات والعملة المقومة بأعلى من قيمتها الحقيقية تُعد حجر عثرة في وجه الجهود الرامية إلى التنمية الاقتصادية ذات التوجه الخارجي.
ـ الاهتمام بالسياسة النقدية والائتمانية, خاصة الاهتمام بسعر صرف الريال السعودي في مواجهة العملات الأجنبية, حيث إن سعر صرف العملة الوطنية يعتبر الأداة الرئيسة التي ترتكز عليها السياسة النقدية.
ـ تشجيع المدخرات المالية عن طريق حماية وتنظيم البنوك وتأسيس بنوك جديدة والسماح للبنوك الأجنبية بممارسة أعمالها في البلاد من خلال إنشاء فروع لها, والتوسع في إنشاء بنوك للتنمية ومؤسسات متخصصة لتوفير المال اللازم للمشاريع الصناعية متوسطة وصغيرة الحجم في كل قطاع من القطاعات الاقتصادية الرئيسة في البلاد.
ـ تشجيع الأسواق المالية "أسواق الأسهم والسندات" لكي تزيد من عمق وفعالية القطاع المالي.
ـ توجيه المدخرات إلى الأنشطة ذات العوائد الاجتماعية الكبيرة.
ـ تشجيع الاستثمار الخاص على إنشاء مشاريع استثمارية توجه منتجاتها للتصدير, وذلك بوضع مجموعة من السياسات الهادفة إلى حل مشكلات التنسيق التي تشكل أهم العوائق أمام حركة الاستثمار, سواء كانت تتعلق بأسواق المعلومات أو أسواق المشاركة في المخاطر, وهذا يتطلب تشجيع عمليات الاندماج بين الشركات لإنشاء كيانات كبرى قادرة على التصنيع.
ـ وضع آليات للسياسات الضريبية الهادفة إلى تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي, وذلك بخفض معدلاتها ومواجهة تهرب بعض الممولين منها بما يكفل زيادة أرباح الشركات العاملة في مجال التصنيع بصفة عامة, وتقرير إعفاءات ضريبية للمشاريع التي تتجه نحو الصناعات التصديرية وتحقق إنتاجاً متميزاً وتسهم في تنمية الصادرات بصفة خاصة.
ـ خفض أسعار السلع الرأسمالية, مثل الآلات والمعدات اللازمة للتصنيع.
ـ وضع آلية جديدة للتأمين على الصادرات ضد المخاطر التجارية وغير التجارية وذلك على النحو المعمول به لدى الدول المتقدمة, حيث يتم إنشاء بنوك متخصصة في تقديم ضمان للمستثمرين الوطنيين والأجانب الذين يعملون في مشاريع استثمارية تنتج سلعاً للتصدير كما هو الحال في البنك الفرنسي لضمان الصادرات والمعروف باسم الـ COFACE وهو عبارة عن مؤسسة وطنية تقدم تسهيلات ائتمانية للمصدرين, كما تتولى عمليات التأمين على الصادرات مقابل أقساط معينة يدفعها المصدرون.
وسأتناول في مقالة لاحقة موضوع التأمين على الصادرات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي