ارتفاع معدلات الطلاق وانتشار المخدرات يقلقان متخذي القرار والمعنيين بالتنمية

ارتفاع معدلات الطلاق وانتشار المخدرات يقلقان متخذي القرار والمعنيين بالتنمية

تساؤلات كثيرة حول التنمية المستدامة، حيث يغيب هذا المصطلح عن أذهان الكثير في المجتمعات المدنية المتقدمة وبالتأكيد النامية، وهنا يجب تعريف التنمية المستدامة، وأين تقع هذه التنمية في منظومة التنمية في المملكة، وماذا حققت المملكة في هذا المجال، وما الجهود الدولية في إطار التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها؟
وتمتد الأسئلة إلى الشكل الذي يجب أن يأخذه التعاون في التنمية المستدامة، وهل الخطط الخمسية السعودية يمكن اعتبارها ضمن التنمية المستدامة، وكيف يمكن أن تطبق التنمية المستدامة؟
كل هذه الاستفسارات نطرحها على طاولة الدكتور عبد العزيز الخضيري الوكيل المساعد لتخطيط المدن في وزارة الشؤون البلدية، وهو شخص مهتم ومتخصص في قضايا التنمية والبيئة. وفي هذا الحوار يسلط الخضيري الضوء على أشكال التنمية المستدامة وأشكال التعاون الدولي في هذا المجال. فإلى نص الحوار:

يغيب عن الكثير مصطلح أو تعريف التنمية المستدامة، ما التنمية المستدامة من وجهة نظركم كأحد المتخصصين في هذا المجال ؟
الاستدامة بصفة عامة تعريف ينعكس على كل نشاط نحتاج إلى القيام به بما يضمن استمراره، ولهذا ينظر للتنمية المستدامة على أنها الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانات التنموية المتاحة بما في ذلك الإمكانات البشرية والمادية والطبيعية بشكل فعال ومتوازن لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية، ولقد عرفتها اللجنة العالمية للبيئة والتنمية على أنها التنمية التي تلبي ضروريات الحاضر دون الإضرار أو المساومة على حقوق وقدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجاتها. ولهذا يقوم مفهوم التنمية المستدامة على العديد من السياسات والإجراءات التي تحقق التفاعل بين البيئات الثلاث المؤثرة فيها وهي البيئة الاجتماعية والطبيعية والمصنعة، بحيث تتم المحافظة على سلامة هذه البيئات بشكل متكامل وتساعد كل منهما الأخرى في عملها وتطويره.
وهناك الكثير من الأبعاد التنموية ذات التأثير على التنمية المستدامة لعل من أهمها الأبعاد الاقتصادية التي تركز على تخفيض التكلفة مع رفع الجودة وتحسين استخدام الطاقة والترشيد بتغيير أنماط الاستهلاك للحفاظ على الموارد الطبيعية، ثم الأبعاد الإنسانية أو البشرية بحيث تسعى إلى التأكيد على أهمية حقوق الأجيال في التعليم والصحة وتوفير الخدمات والمرافق وتحسين الرفاهية الاجتماعية وتحقيق التنوع الثقافي وتوفير التدريب بما يدعم استمرار التنمية ونماءها.
أما الأبعاد البيئية ذات العلاقة بالتنمية المستدامة فتركز على حماية الموارد الطبيعية من الاستعمال الجائر والحد من استخدام مختلف المواد الضارة بالبيئة والتأكيد على تحقيق التوازن البيئي والإحلال الدائم لما يتم استغلاله من الموارد الطبيعية مثل إعادة استزراع الأشجار في الغابات، وإعادة استخدام المياه للاستعمالات الآدمية وتحسين كفاءة شبكة المياه ونوعيتها والحد من هدرها ومعالجة تسرباتها وحماية مختلف الأصناف الحيوانية من الانقراض، أما الأبعاد التكنولوجية فيتم الأخذ بالتكنولوجيا النظيفة والتقليل من الانبعاثات المضرة بالبيئة والصحة وجعلها في مستوياتها الدنيا.

أين تقع التنمية المستدامة في منظومة التنمية لدينا؟ وماذا حققت المملكة في هذا المجال؟
التنمية في المملكة بدأت منذ سنوات قليلة من عمرها التنموي وما تم إنجازه خلال هذه السنوات يعتبر قفزة نوعية حيث تم الانتقال بالمجتمع من مجتمع بسيط وإمكانيات اقتصادية ومعرفية محدودة إلى ما نراه اليوم. ويمكن النظر للتنمية في المملكة من خلال ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي التي اعتمدت على بناء القدرات الاقتصادية للمدن وتوفير مختلف المرافق والخدمات العامة وفي هذه المرحلة تم تصنيف ستة مراكز وطنية في المملكة تم التركيز عليها على أساس جعلها مراكز نمو وطنية يتم تهيئتها للنمو والتنمية وتلعب دور الموجه للتنمية للمناطق المحيطة بها، ولكن الذي حدث هو أن بعض هذه المراكز أصبحت مناطق جذب قوية للسكان من مختلف مناطق المملكة وخارجها.
ونتيجة لارتفاع معدلات النمو السكاني فيها تركز المزيد من الأنشطة الاقتصادية والخدمات والمرافق فيها وبهذا أصبحت مناطق جذب عالية ولم تستطع أن تقوم بالدور المأمول منها وهو نشر خير التنمية إلى المدن والمناطق الواقعة في محيطها التنموي, وأصبحت مثل كرة الثلج تزيد نمواً واتساعاً بحيث أصبح هذا النمو والاتساع يفوق المعدلات التنموية الطبيعية. وبدأت تظهر في الأفق المخاوف من أن يؤدي هذا النمو العالي إلى انعكاسات سلبية على استدامة التنمية وأبعادها المختلفة.

ما التأثيرات التي حدثت إثر تركز التنمية في مواقع محددة من البلاد؟
بدأت تعاني مدن ومناطق أخرى من هجرة السكان منها إلى المدن ذات التنمية المحسوسة, ووجدت هذه المدن الطاردة للسكان أن فرصتها في توفير المرافق والخدمات لسكانها لم تعد بالشكل المطلوب، ولهذا ظهرت فجوة تنموية بين المناطق من جهة وداخل كل منطقة من جهة أخرى وهو مؤشر سلبي في تحقيق عدالة توزيع الخدمات كمؤشر مهم من مؤشرات التنمية المستدامة، كما أن هذا الواقع ذو تأثير سلبي على بعد الاستدامة حيث إن العديد من المدن الكبرى ترفع من الاستهلاك السلبي (في استنزاف الموارد) المؤثر على البيئة وتزيد من مستويات الإنفاق العام وهذا يتعارض مع تحقيق مبدأ الاستدامة.
هذه الفجوة التنموية والآثار السلبية أدت إلى صدور توجيه كريم من خادم الحرمين الشريفين بأهمية تحقيق التنمية المتوازنة كمؤشر مهم على استدامة التنمية بين مناطق المملكة والعمل على معالجة هذه الفوارق الإقليمية بما يحقق أهداف التنمية المتوازنة ويقلل من خطورة النمو المتسارع وتركز الأنشطة والخدمات في بعض المراكز الحضرية وضعف ذلك في مراكز أخرى.
وبناء عليه صدرت الخطة الخمسية الرابعة حاملة في طياتها هذا التوجيه الكريم وتم في هذا الصدد إعداد العديد من الدراسات ذات العلاقة بتحقيق التنمية المتوازنة وصولاً للاستدامة، وبها بدأت المرحلة الثانية من التوجهات التنموية وفي ضوئها تم إعداد الاستراتيجية العمرانية المكانية الوطنية مع بداية الخطة الخمسية الرابعة وتم اعتمادها والمصادقة عليها من مجلس الوزراء قبل نهاية عام 1421هـ، وتهدف الاستراتيجية العمرانية إلى تحقيق التنمية العمرانية المتوازنة على المدى البعيد بين مناطق المملكة المختلفة وداخل كل منطقة شاملاً ذلك التجمعات الحضرية والريفية من خلال العديد من المؤشرات لعل من أهمها مؤشر تحقيق التوزيع المتوازن للسكان على رقعة المملكة والعمل على تجنب النتائج السلبية للنمو والتركّزا المتزايد في أحجام المدن الرئيسة والخدمات والأنشطة ومؤشر الاستثمار الأمثل للتجهيزات الأساسية للمرافق والخدمات القائمة، ومؤشر دعم دور المدن المتوسطة والصغيرة الواقعة في إطار المدن الرئيسة بحيث تعمل كمدن مساندة لها، ومؤشر تنويع القاعدة الاقتصادية لمختلف مناطق المملكة وفقاً لإمكاناتها التنموية وما يتوافر فيها من موارد، ومؤشر إعادة تصنيف مراكز النمو في المملكة والعمل على تحسين النظام الإداري للمراكز التنموية وتحديد نطاق خدماتها، ومما لا شك فيه أن تحقيق هذه المؤشرات هو من صميم مبادئ الاستدامة كماً وكيفاً.
إن الاستراتيجية العمرانية الوطنية المعتمدة بهذا المفهوم وضعت المملكة في مرحلتها التنموية الثانية التي بدأت بالتركيز على أهمية تحقيق ونشر التنمية المتوازنة بهدف استدامتها وعدم تركّزها، وفي هذا الإطار وضعت الاستراتيجية منهجا تنفيذيا لتحقيق أهداف الحكومة في تحقيق التوازن المطلوب من خلال العديد من المخرجات التنفيذية، منها أهمية اعتماد نظام للتخطيط العمراني يحدد المستويات والمسؤوليات والصلاحيات لمختلف الشركاء في التخطيط والتنفيذ والإدارة والمراقبة، ويعطي قوة إلزامية للتنفيذ لهؤلاء الشركاء.
كما تم في هذا الإطار التأكيد على أهمية تفعيل دور التخطيط الإقليمي نظراً لما يمثله التخطيط الإقليمي من همزة وصل قوية وضرورية بين المستويين الوطني والمحلي.
ويتم ذلك من خلال تصميم استراتيجيات تنموية إقليمية لكل منطقة من مناطق المملكة تحدد المسارات التنموية المستقبلة لها وتحديد التدرج الهرمي المتوازن لمنظومة المدن على مستوى كل منطقة وإبراز السياسات القطاعية اللازمة لدفع عجلة التنمية وكيفية تفعيلها ورسم الإطار العام لتفعيل دور القطاع الخاص في تقليص الفوارق الإقليمية كمؤشر مهم في تحقيق التنمية المستدامة ووضع الإطار العام لإعداد المخططات الهيكلية للمدن والقرى بما يحسن النسيج العمراني ويزيد من الكفاءة الداخلية للمدن ويهيئها لتنويع القاعدة الاقتصادية فيها من خلال تحديد اتجاهات النمو فيها واستعمالات الأراضي وشبكات الطرق الرئيسة وتحديد متطلبات المرافق والخدمات العامة والحد من الهدر المالي في نزع الملكية وغيره من الأمور التنفيذية التي تسبق التخطيط في حالة غيابه، كما تساعد على حماية الأراضي من التعديات أو التملك الجائر لها أو سوء استخدامها بما يتنافى ومتطلبات المستقبل، ثم ترجمة ذلك من خلال إعداد دراسات علمية عملية لترشيد الإنفاق والاستهلاك ولتحديد أولويات توفير المرافق والخدمات على مستوى الأحياء والمدن والقرى ثم المناطق وبما يعدل من أولويات التوزيع الجغرافي للإنفاق الحكومي على التجهيزات الأساسية واستخدام الأنشطة الحكومية الرئيسة مثل الجامعات والمدن الصحية والعسكرية والصناعية وغيرها في تحقيق التنمية المستدامة.
وأخيراً تطوير المهارات والقدرات والخبرات المحلية لتنفيذ سياسات التنمية العمرانية، ويتم ذلك من خلال العمل المشترك مع الشركاء المحليين في المناطق ويأتي على رأسهم مجالس المناطق.
إن جميع ما قامت به المملكة من تنمية يعد إنجازاً متميزاً في جميع المجالات، وإذا تم تفعيل التنمية المتوازنة والعمل على تطوير آلياتها وتنفيذها فإن الاتجاه نحو التنمية المستدامة التي يمكن اعتبارها المرحلة الثالثة سيكون أسهل وربما يكون تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة هو الهدف الأسمى للمرحلة المقبلة.

ما الجهود الدولية في إطار التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها؟
الجهود الدولية في إطار التنمية المستدامة تعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك من خلال محاولة وضع نموذج لقياس التنمية والإنجازات التنموية الاقتصادية ووضع قائمة للدول لمعرفة إنجازاتها في هذا المجال، وكانت البداية مع استخدام مؤشر الناتج الوطني الإجمالي GNP للفرد من خلال قياس النشاط الاقتصادي داخل كل دولة وهذا يشمل مجموع قيمة الخدمات والبضائع والسلع المنتجة في السنة، هذا المقياس أبرز العديد من السلبيات والقصور في دقة التقويم لإبراز ارتفاع دخل الفرد بناء على دخل الدولة ولا يعكس مستوى التنمية الحقيقية.
كما أن هناك العديد من الملاحظات على هذا النموذج، مما أدى إلى البحث عن نموذج آخر لمعرفة مقدار التطور والنمو التنموي للدول، وتم الأخذ بمقياس مستوى المعيشة الذي تمثل في تحديد الحاجات المادية الأساسية مثل التغذية والمأوى والصحة، والحاجات المعنوية الأساسية مثل التعليم واستغلال الوقت والتمتع بوقت الفراغ والأمن، والحاجات الأعلى وهي ما تزيد على هذه الاحتياجات الأساسية.
هذا المقياس أبرز مستوى المعيشة ولم يبرز مستوى التنمية، مما أدى إلى الأخذ بمقياس آخر هو مستوى التنمية الذي تم التركيز فيه على التنمية السكانية والتقدم الاجتماعي والتطور التكنولوجي والنمو الاقتصادي، وهذا النموذج أيضا اصطدم بالانحياز للدول المتقدمة ولم تكن المؤشرات المستخدمة تعبر عن الجوانب المهمة للتنمية، وتلا ذلك الأخذ بالعديد من المؤشرات الأخرى التي تمت الاستعانة بها لإبراز القدرة على تحقيق التنمية المستدامة ومنها مقياس التباينات الداخلية لتوزيع الدخل، المقياس المادي لنوعية الحياة، مقياس الإنتاج والمؤشر العام للتنمية، ومقياس التنمية الاجتماعية الاقتصادية، جميع هذه المقاييس كانت تركز بشكل أساسي على عنصر الاقتصاد في النشاط البشري، إضافة إلى دور النشاط الاجتماعي.
وتم تجاهل العواقب البيئية لمخرجات التنمية واستنزافها الموارد الطبيعية دون مراعاة حقوق الأجيال القادمة، كما أدى النمو المتسارع للعديد من مدن العالم، ووصل أعداد سكانها إلى أرقام كبيرة والتي أصبحت تعرف بالمدن المليونية، هذا النمو المتسارع أدى إلى ظهور العديد من المشاكل التي تبرز أهمية الاهتمام بالبعد البيئي وحسن استغلال وترشيد واستثمار الموارد، ومن تلك المشاكل ارتفاع مستوى التلوث والضجيج والنفايات والاستهلاك العالي للمياه وسوء إعادة استخدامها والزحف العمراني على الأراضي الزراعية والغابات والمراعي واستخدام مواد البناء المؤثرة في البيئة، جميع هذه المشاكل وغيرها كثير انعكست بشكل مباشر على بيئة الأرض من خلال ارتفاع نسبة سخونتها أو ما يسمى الدفء العالمي وتلف طبقة الأوزون.
أما المشاكل الاجتماعية وارتفاع معدلات الطلاق وانتشار المخدرات والمهدئات وغيرها التي أثرت في قدرة العطاء الإنساني ثم الفجوة المجتمعية بين الأفراد داخل المدينة الواحدة والخوف الدائم من الطرف الآخر وغياب الترابط الأسري والتعاون الخيري وارتفاع تكاليف الحياة، فقد أدت إلى زيادة المديونية الفردية بشكل أصبح يقلق متخذي القرار والمعنيين بالتنمية، جميع هذه الأمور دفعت إلى الأخذ بمفهوم أوسع للتنمية المستدامة، ووضع معايير أكثر دقة لقياسها وتحديد نسبة الإنجاز فيها.

ما أشكال التعاون الدولي في مجال التنمية المستدامة؟
إن ما تبذله الجهات الدولية سواء حكومات أو منظمات أو مؤسسات عامة في السعي إلى تحقيق التنمية المستدامة وتنفيذها التي تركز على مختلف المخرجات الإنسانية ومتطلباتها والمحاولات الجادة في قياس ذلك الإنجاز وإحساسها بخطورة الوضع في حالة عدم الاهتمام به وتحول المدن المليونية إلى مدن للفساد والجريمة والأمراض وغيرها كثير، دعاها إلى تبني العديد من المؤتمرات واتخاذ القرارات التي توضح للجميع أهمية الأخذ بالتنمية المستدامة المتوازنة والسعي إلى دعم دور المدن المتوسطة والصغيرة والاهتمام بالتدرج الهرمي للتجمعات السكانية وعدم التركز الحضري من خلال استئثار بعض المدن بنصيب أكبر على حساب المدن والقرى الأخرى داخل الدولة ومناطقها.
ولعل من أهم المؤتمرات التي ركزت على أهمية تفعيل التنمية المستدامة والإشارة إلى الآثار السلبية من عدم الأخذ بها هو مؤتمر قمة الأرض الذي عقد في مدينة ريدوجانيرو في البرازيل عام 1992 والذي ربط التنمية بالبيئة وأخرج أجندة 21 تشمل العديد من القرارات المحققة لهذه التنمية تؤكد العمل الجماعي الدولي في سبيل الرفاهية المعيشية لجميع الأفراد والأجيال، وكما أن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية في هذا المجال والتي لا يتسع المجال لذكرها في هذا الحوار.

هل الخطط الخمسية السعودية يمكن اعتبارها ضمن التنمية المستدامة؟
كما نعرف جميعاً أن الخطط الخمسية في المملكة بدأت مع الخطة الخمسية الأولى منذ شهر جمادى الآخرة عام 1390هـ وفي ذلك الوقت كانت التوجهات الحكومية نحو دعم نمو المدن الرئيسة وتنميتها كما ذكرت في سؤال سابق ولهذا جاءت الخطة موجهات عامة للسياسات والتنظيمات الحكومية حيث تركز على دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع تأكيد أهمية القيم الدينية والأخلاقية والدعوة إلى تنويع مصادر الدخل وتطوير الموارد البشرية مع التركيز على المتطلبات الأساسية للمجتمع من تعليم وصحة وإسكان ومرافق وخدمات والاهتمام بالشؤون الاجتماعية والثقافية وغيرها.
وبناء على ذلك استمرت الخطط الخمسية اللاحقة في دعم هذه التوجهات الداعية إلى أهمية النمو والتنمية وبناء القدرات المؤسسية وإنشاء المدن الحديثة خصوصاً الخطط الثلاث الأولى، ومع بداية الخطة الخمسية الرابعة تم الاهتمام بالتنمية المتوازنة والتركيز على أسلوب ما يسمى تخطيط البرامج التنموي، وذلك سعياً وراء المزيد من المرونة في توجهات الجهات الحكومية والاهتمام بمشاريع التشغيل والصيانة وتفعيل دور القطاع الخاص الذي تم التركيز عليه في الخطط التالية لها، وبشكل عام تعد الخطط الخمسية سياسات تنموية اقتصادية اجتماعية تنطلق من وضع الأهداف الاستراتيجية وكيفية تنفيذها وأخذت في ذلك مختلف التوجهات التنموية وراعت القرارات الدولية، كما أن الخطط الخمسية بشكل عام تعد توجهات خيرة لرسم الموجهات التنموية وإبراز السياسات الحكومية إلا أن الملاحظ عليها صعوبة تنفيذ العديد من أهدافها لعدم وجود جهات محددة تقوم بتنفيذها أو لعدم وجود مؤشرات ومعايير قياس أدائها، ولهذا نجد بعض الأهداف يتم تكرارها في الخطط الخمسية ولكن لم يتم تنفيذها بالشكل المأمول.
إن إمكانية ارتباط التنمية المستدامة بالخطط الخمسية إمكانية قابلة للتنفيذ متى ما أعيد النظر في كيفية رسم الخطة وجعلها ذات مخرجات يمكن قياس أدائها وتحديد الجهات المعنية بها ثم أخذها للحيز المكاني موجهة لأهداف الخطة ومنفذ لها بحيث تحقق أهداف الخطط السياسات الإنمائية الموضوعة لها والتي تسعى إلى تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة والحديث عن أهمية الخطط الخمسية ودورها الفاعل في مجال التنمية وتبنيها التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية حديث ذو شجون وربما لا يكون مكانه في مثل هذا الحوار.

كيف يمكن أن تطبق التنمية المستدامة في المملكة؟ وما القطاعات التي يجب أو من المفترض أن تساعد على تطبيقها في المملكة؟
إذا استوعبنا أهداف التنمية المستدامة وتوجهاتها وأنها لم تعد تركز على البعد الاقتصادي فقط وإنما أخذت بالأبعاد التنموية المختلفة وعلى رأسها البعد البشري الذي يعد عصب التنمية وهدفها وروحها النابض، لأن الإنسان هو من تدور حوله مختلف السياسات والتوجهات وهو المؤثر والمتأثر بالتنمية بمختلف مفاهيمها ومتطلباتها، فإن إعادة النظر في هذا البعد والقراءة المتأنية لدوره وما تم استثماره في تطويره وتعليمه وتثقيفه توضح إلى أي مدى نجحت التنمية وحققت استدامتها وتوازنها، وعند الحديث عن موضوع العلاقة بين تنمية الإنسان والمكان نعترف أن هناك خللاً وفجوة واضحة بينهما، فبقدر ما تم استثماره في المكان وتطويره والارتقاء بالمدن إلى مصاف المدن العالمية مازال العديد من السلوكيات الإنسانية دون الارتقاء إلى ذلك المصاف، ولعلي آخذكم في رحلة سريعة للعديد من المؤشرات والسلوكيات التي تعد مخلة بمتطلبات التنمية المستدامة ومنها ثقافة استخدام السيارة في مدننا وعدم تخطيط أحياء سكنية إنسانية لا تعتمد على استخدام السيارة في الانتقال ضمن المجموعة والمجاورة السكنية وبالتالي تقليل استهلاك الطاقة، وكمثال آخر حجم النفايات وصعوبة إعادة تدويرها والاستفادة منها وتأثيرها المباشر في البيئة، سوء استخدام المركبات سواء بكثرة الاستخدام أو القيادة غير السليمة وما تسببه من تلفيات عالية ووفيات تفوق المعدلات العالمية وأكثر دول العالم تخلفاً، غياب احترام حقوق الآخرين في الطريق والعمل والأماكن العامة، كما أن احترام الوقت واستثماره واستغلاله الاستغلال الأمثل وتغيير بعض الأشخاص الساعة البيولوجية بحيث أصبح ليلهم نهاراً ونهارهم ليلاً بطريقة تخالف الفطرة السليمة، والحديث عن السلوكيات العديدة السلبية المؤثرة في القدرة على تحقيق متطلبات التنمية المستدامة كثيرة وقد لا يتسع المجال لذكرها هنا. ولهذا فإن إمكانية تطبيق أهداف التنمية المستدامة في المملكة وتوجهاتها تعد عالية بكل المقاييس، وذلك من خلال الأخذ بالبعدين التنمويين الإنساني والمكاني، ففي مجال التنمية الإنسانية لا بد أن نعيد النظر في الكثير من المؤشرات والسلوكيات التي نشاهدها في حياتنا اليومية والتي لا يمكن تصنيفها كما ذكرت وفقا لمتطلبات التحضر والتنمية المستدامة.
ولعل اهتمامنا بالتعليم والثقافة العامة والحوار البناء والحرص على وجود الأنظمة الرادعة للسلوكيات المنحرفة سيساعد بشكل كبير على مثل هذا التغيير، كما أن إعادة بناء المفهوم المجتمعي للعمل والانتماء له والحرص عليه وصرف الساعات الحقيقية لأدائه ورفع مستوى الإنتاج التنموي ومراجعة ساعات العمل لجميع القطاعات الحكومية والخاصة والأهلية والحد من هدر الوقت وإضاعته والسهر غير المبرر للعديد من المدن ومحالها التجارية كل ذلك وغيره كثير سيغير بشكل مباشر ومؤثر في قدرتنا على العطاء والاستدامة والتطور.
وفي المقابل استمر الاهتمام ببناء المكان والسعي إلى تحقيق التنمية المتوازنة على كامل رقعة المملكة والحد من الهجرة العالية للمدن الرئيسة وما يصاحبها من مشاكل عديدة والاهتمام بتنمية المناطق والدفع بالمزيد من الصلاحيات التنموية التي تساعد هذه المناطق على القيام بواجباتها التنموية وفقاً للدراسات والمخططات والتوجهات المعتمدة وبما يضمن تنوع مصادر الدخل والاستفادة من الميزة النسبية في كل منطقة لصالح التنمية الوطنية وتأصيل الانتماء للوطن من جميع أبنائه دون تفرقة بسبب منطقة أو قبيلة أو أسرة أو غيرها والاستفادة الحالية من الوفورات المالية التي تعيشها ميزانية الدولة اليوم والإيمان بأن المستقبل أفضل من الماضي لما نحمله له من أفكار إيجابية وتوجهات سليمة انطلاقاً من أننا خير أمة أخرجت للناس، وتأكيد أننا أمة مسلمة في جميع أحوالها وأفعالها وأقوالها وانعكاس ذلك على حياتنا اليومية والمعيشية، والقضاء على جميع الأفكار والتوجهات المنحرفة عن هذا المسار أو المقللة من أهمية التوجهات المستقبلية ونظرتها القاصرة ومحاربتها الدائمة كل تطوير وتحديث، والاهتمام بإدارة الأرض وحسن استثمارها واستغلالها وجعلها عنصر تنمية ووعاء لها وحفظ حقوق الأجيال القادمة فيها.

لكن كيف يتحقق ذلك؟
إن تحقيق ذلك جميعاً لا يمكن أن يتم بجهود فردية لأشخاص أو الاعتماد على القيادات الانقيادية التي تنتظر التوجيه الدائم وتخاف من المبادرة وتعمل على الاحتقار والتقليل من إنجازات الآخرين وتسعى إلى أن يكتب التاريخ من تاريخ بداية عملها، وإنما يتم ذلك من خلال تضافر الجهود والعمل الجماعي المؤسسي بين مختلف أجهزة الدولة سواء الحكومية منها أو شبة الحكومية أو القطاع الخاص أو الأهلي والخيري وغيره.
ولهذا فإن الاستفادة اليوم من دور الهيئات والشركات والمؤسسات القيادية العملاقة في المملكة التي تملك الخبرات الإدارية والاستثمارية والمؤسسية القادرة على توطينها والاهتمام ببناء الإنسان من خلال التدريب والعمل الاحترافي وما تملكه من قدرات مالية ومرونة إدارية استثمارية ستكون، إن شاء الله، الساعد الأيمن للحكومة لتحقيق أهدافها التنموية وتحقيق انتشارها وازدهارها على كامل رقعة المملكة. إن ما تملكه اليوم المملكة من قدرات بشرية وإمكانات مالية تؤهلها، بإذن الله، إلى تقديم المثال الأنجح للدولة المتقدمة في مختلف المجالات والتوجهات ويجعلها في مصاف الدول التي تعتمد على إنسانيتها ونموها وتصبح بحق مملكة الإنسانية العظيمة.

الأكثر قراءة