العودة إلى الدراسة وكيفية مواجهة التسمم الغذائي

مع بدء العام الدراسي الجديد ودخول أبنائنا الطلاب والطالبات المدارس والجامعات تظهر بعض الأمراض والظواهر التي تتطلب اتخاذ إجراءات عقابية ووقائية صارمة، لما لها من تأثير عام على الصحة العامة، ومن أهم هذه الظواهر ظاهرة التسمم الغذائي التي تحدث نتيجة تلوث الطعام والشراب وعدم مراعاة الضوابط والقواعد والاشتراطات الصحية؛ وهي تُعد ظاهرة عامة في كافة المجتمعات، ولكنها تزداد في المجتمعات الحضرية نتيجة اعتماد السكان وتركيزهم على الأغذية المحفوظة والمُجمدة والوجبات السريعة والجاهزة بالمطاعم، ولكنها تقل في المجتمعات الريفية والأقل تحضراً حيث يعتمد أفرادها على الأطعمة الطازجة ولا يميلون إلى الأكل بالمطاعم وغيرها.
والواقع أنه من الصعب الحصول على إحصاءات دقيقة عن حالات التسمم الغذائي بصفة عامة وتلك التي تحدث للطلاب والطالبات بالمدارس بصفة خاصة، لأن معظم المصابين لا يُبلغون رسمياً عن الإصابة، ولا يسعون إلى المعالجة الطبية الرسمية، وإذا تم التبليغ لا تُجرى الفحوص المخبرية اللازمة، وإذا تمت هذه الفحوص فمن النادر أن يتم تبليغها للجهات المسؤولة عن الصحة العامة. وعند وفاة بعض المصابين لا يتم تشخيص حالات الوفاة بالضبط للتأكد مما إذا كان سبب الوفاة هو التسمم الغذائي من عدمه.
ولقد أشارت دراسة في أمريكا قام بها مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، إلى أن التسمم الغذائي سبب في أمريكا نحو 76 مليون حالة مرضية، و239314 حالة تم إدخالها مستشفيات و5194 حالة وفاة كل سنة، وهذا يُشير إلى مدى خطورة هذه الظاهرة في المجتمع الأمريكي.
أما في السعودية فتُشير الإحصائية الصادرة عن وزارة الصحة السعودية خلال عشر سنوات إلى أن عدد حالات التسمم الغذائي خلالها بلغ 22233 حالة. ويُقدر بعض المتخصصين حالات التسمم الغذائي في السعودية بأنها تصل إلى نحو 2400 حالة سنوياً، ونصيب مدينة الرياض نحو 200 حالة سنوياَ، وهو عدد قليل، ولكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن هذا العدد يمثل نسبة قليلة جداً من حالات التسمم الغذائي الحقيقية، لأن الغالبية العظمى من الحالات لا يتم التبليغ عنها رسميا ولا تدخل ضمن إحصاءات وزارة الصحة.
وأيا كان العدد الحقيقي لحالات التسمم الغذائي، فإننا نرى أنها تُعد خطراً حقيقياً على الصحة العامة، وعلى صحة الطلاب والطالبات بصفة خاصة؛ فهي تُشكل بالنسبة لهم نوعاَ من الإرهاب الموسمي الذي ينشط وتكثر عوامله وأسبابه وتتفاعل في المقاصف ومحال بيع الأطعمة والوجبات الجاهزة لهم.
ولقد تم التعرف على أكثر من 12 مُسبباَ للأمراض التي تحدث نتيجة التلوث الغذائي، كما تم اكتشاف بعض الكائنات التي توجد في الأطعمة الملوثة والتي سببت أمراضاَ أكثر خطورة من مجرد الأعراض الظاهرية للتسمم الغذائي (كالأمراض المعوية والإسهال وارتفاع الحرارة والدفتريا)، حيث اتضح أن هذه الكائنات تسبب أمراضاً خطيرة للإنسان، كالروماتيزم والاختلال العقلي، وأمراض المناعة الذاتية، والعدوى الدموية، والالتهاب الكبدي الوبائي (A) والسلمونيلا.
ويرى بعض المختصين أن عولمة مصادر الطعام تعد من أهم أسباب التلوث الغذائي، وذلك نتيجة عدم إحكام الرقابة على الأطعمة المستوردة؛ ما يؤدي إلى احتوائها على مواد ضارة بالصحة العامة، وعدم مراعاة الاشتراطات والمواصفات الصحية، إذ يذكر أن عدة حوادث تسمم غذائي وقعت في أمريكا عام 2000م نتيجة استيراد بعض الأطعمة من دول أخرى، مثل استيراد الجزر من دولة بيرو، والمانجو من أمريكا الجنوبية، والتوت من جواتيمالا، والشمام من المكسيك، والفطر المعلب من الصين، والوجبات الخفيفة من إسرائيل، ولبن جوز الهند من تايلاند.
ونظراً لخطورة التسمم الغذائي على الصحة العامة، وحرصاً من ولاة الأمر على المحافظة على صحة المواطنين، فقد نصت المادة 31 من النظام الأساسي للحكم في السعودي الصادر بالأمر الملكي رقم (أ/90) وتاريخ 28/8/1412 هـ على أن: " تعنى الدولة بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن". كما صدر قرار مجلس الوزراء المتعلق بمعالجة التسمم الغذائي عند حدوثه، حيث قضى بتشكيل لجنة ثلاثية من وزارات الشؤون البلدية والقروية والداخلية والصحة للتحقيق في الحادثة، وتحديد السبب والمتسبب، واقتراح العقوبة المناسبة، والتي يتم اعتمادها من صاحب السمو الملكي وزير الداخلية. وقد نص هذا النظام على عقوبتي إغلاق المحل لمدة شهر وغرامة لا تقل على ألف ريال ولا تزيد على عشرة آلاف ريال لكل مصاب. وتتعدد هذه العقوبة بتعدد الأشخاص المتضررين، عدا المخالفات الموجودة في المحل التي يتم تطبيق لائحة الجزاءات والغرامات البلدية عليها، وقد يصل الأمر إلى شطب السجل التجاري للمحل.
ومما لا شك فيه أن تطبيق هذه العقوبات يُمكن أن يحقق الردع لكل من تسول له نفسه الإضرار بالصحة العامة وتعريض حياة المواطنين، وخاصة الطلاب والطالبات الذين هم عماد المستقبل، للخطر؛ إلا إنه من الملاحظ أن بعض أصحاب المحال المُخالفة التي تثبت في حقها المخالفات يقوم بالتحايل على الأنظمة، وذلك بفتح فرع آخر للمحل المُخالف، عندما يجد أن تكلفة فتح محل جديد أقل من دفع قيمة المُخالفة.
ولهذا فإننا نرى أن وجود النصوص النظامية لا يكفي في حد ذاته لردع المخالفين وتحقيق الوقاية الكافية من التسمم الغذائي، بل يجب أن يتم تطبيقها وتنفيذها دون هوادة أو تأخير، ونشر نسخة من الجزاءات الصادرة بحق المحل المُخالف في الصحف اليومية وعلى واجهة المحل المُخالف، ثم يُكتب عليه أنه أغلق بسبب التسمم الغذائي، كما يُحرم صاحبه ـ ولو لفترة مؤقتة ـ من الحق في افتتاح فرع أو فروع له، ولو باسم آخر، في أي مكان آخر في المملكة. وإذا تكرر ذلك منه بعد انتهاء المدة المُحددة لحرمانه من مُمارسة النشاط فيُمكن التأشير في السجل التجاري على حرمانه مُستقبلا من العمل في هذا النوع من النشاط.
وسأتناول في مقال لاحق ـ إن شاء الله ـ كيفية الوقاية من التسمم الغذائي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي