هل يمارس الصحفي المديح؟

[email protected]

اكتسبت الكتابة الصحفية في الآونة الأخيرة بعداً وطنياً جديداً بمساحة حرية غير مسبوقة، فأصبحت معيناً وداعماً للجهات الرقابية في المملكة لاكتشاف مواطن القصور والخلل في الأجهزة الإدارية، وتقديم حلول وبدائل لصناع القرار. وكأنهم بذلك أصبحوا مستشارين لعديد من الجهات للتفكير في مستقبل هذه الأجهزة، وسبل تحسين أدائها، وهذه مسؤولية وطنية غاية في الأهمية. ولكن في خضم الكشف عن مواطن القصور، أغرقنا في البحث عن الأخطاء ومواطن الضعف، ونسينا الاحتفاء بما هو صحيح وسليم وجميل.
أسهمت الكتابات الصحفية عن الأخطاء ومواطن القصور في أن تصبح صحافتنا سوداوية، تكاد تخلو من الأمل، وينهي القارئ نصيبه منها مع قهوة الصباح، وهو مليء بالهموم والمعاناة. أصبح فينا من يرى الكأس نصف فارغة، ولكن الأخطر أن كثيراً منا لم يعد يرى الكأس بأكملها. سلطنا الضوء على نقاط الضعف ولفتنا الأنظار إلى الأخطاء، فقدمنا خدمة ولكننا في الوقت ذاته أسهمنا في إحباط المواطن ولم نشر إلى الضوء ليس فقط في آخر النفق، وإنما الضوء المنبعث من داخل النفق.
فبالإضافة لما ذكرته من مساحة الحرية الواسعة التي اكتسبها الصحفي السعودي، والإعلام بشكل عام، نجد ثقافة الإصلاح الآخذة في الانتشار والقوة، وموجة الانفتاح الحميد في ظل الحوار البناء، وهذا الانفتاح بنوعيه الداخلي والخارجي أضفى قوة ومناعة للثقافة المحلية وأضاف لها عنصر الديمومة والتداخل مع الاختلاف، وهذا كما نعرف هو العامل الرئيسي الذي يضمن الاستمرارية والتجديد. تشهد عديد من القطاعات طفرات نوعية وكمية، أعد من ذلك التعليم العالي الذي تنامى بشكل لم يكن متوقعاً سواء على مستوى الجامعات والكليات في المملكة وإمكانات القبول، أو برامج الابتعاث الخارجية، ووزارة التربية والتعليم التي قلبت كل التصورات السابقة عن جمودها ومقاومتها للتطوير والإصلاح، والثورة المعلوماتية التي نقلت شعب هذه البلاد الصحراوية إلى خضم الأحداث العالمية، والمشاريع الاقتصادية الضخمة. صحيح أن مجتمعنا أصبح أكثر مدنية (بالمعنى السلبي للكلمة، من حدوث جرائم غير مسبوقة، وحالات انفصال عن التراث) ولكن هذه المدنية لها جوانب إيجابية كثيرة لا ينكرها أي عاقل. طفل العشر سنوات اليوم يحمل قدرات ومهارات تقنية وثقافية وقدرة على التأقلم تفوق صاحب الثلاثين قبل نصف قرن.
الإشكالية بصراحة أن من يشير لأماكن النور والجمال يخشى أن يتهم بالتطبيل وتعمية الرأي العام. ولكن هذا يفتقد منطق الحق والعدل. نريد الصحافة أن تشير للتجاوزات والإنجازات، نريدها أن ترينا أين يكمن الخطأ، ولكن نريد منها أيضاً إعادة تأكيد ثقتنا بوطننا، وربطنا بإنجازات لا يمكن إغفالها. نريد من يخطئ من أبناء الوطن أن يجد قلم الصحفي له بالمرصاد، ولكن من يحسن أيضاً فيجب أن يجد في قلم الصحفي التاج الذي يراه به بقية المواطنين. ليس الصحفي بعامل صف كلام وإبراز إنجازات وهمية، وتلميع شخصيات لم تقدم للوطن شيئاً يذكر، بل هو يحمل أمانة يحاسب عليها أمام قرائه أولاً وأخيراً. مثلما أعطينا الصحفي الحرية في النقد، فيجب أن نعطيه الحرية أيضاً في كشف الممارسات الصحيحة والوطنية، وإبرازها، وخلق مثال لبقية المواطنين. ولست أتحدث بالضرورة عن إنجازات المسؤولين أو أصحاب القرار، وإنما إنجازات المواطنين، والموظفين الصغار. إنجازات تؤكد لنا أننا سائرون على الطريق الصحيح، وأن ثقافتنا تجاوزت مراحل الحرج إلى رحاب أوسع.
ليس من المقبول أن يمارس الصحفي التلميع، والتملق، وصنع شيء من لاشيء. ولكن من غير المقبول أيضاً أن يكون سوداوياً، أو مروجاً لصحافة الاكتئاب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي