أنا مبتعث .. ماذا أتخصص؟ (1 من 3)

المتتبع للحراك التطويري في المملكة يلاحظ التركيز على تطوير بنية تحتية وطنية من الموارد البشرية باعتبارها المفتاح الرئيسي لعمليات الابتكار والإبداع والإنتاج، والتي من دونها يبقى أبناء الوطن أسرى لدى الوافدين من خارجها فكرياً واقتصادياً وبالتالي سياسيا. وبرنامج الابتعاث الوطني الذي تقوده حكومة المملكة يعد الذراع التطويرية الخارجية وأحد هذه الحراكات، بينما تقوم جهود أخرى داخلية متمثلة في تطوير الجامعات وإعادة تأهيلها بما يتفق ومتطلبات المواجهة مع القوى البشرية المهنية عالية التدريب الوافدة تحت عباءة العولمة والاستثمار الأجنبي وما التزمت به المملكة من اتفاقيات دولية. وسلسلة المقالات هذه هي محاولة نابعة من واقع تجربة لمساعدة بنات وأبناء الوطن المبتعثين على استثمار هذه الفرصة وتوظيفها بما يخدم مصالحهم ومصالح الوطن، إذ لا تعارض بين المصلحتين، بل إن منطقة تقاطع المصالح أكبر بكثير من مناطق التفرد المصلحي.
اعلم عزيزي المبتعث أن سياسة "البقاء للأكثر تأهيلاً وليس لحامل الجنسية السعودية" هي القاعدة السائدة خصوصاً في قطاع الأعمال، حيث يوجد المال، الذي هو مطمع كل شابة وشاب يواجه معترك الحياة. وإنّ سياسة السعودة لن تحميك من المنافسة إذا لم تكن مؤهلاً، إلا إذا كنت ممن يرضى بفتات الكعك.
وهناك عدة لبنات يمكن أن تجعل منك منافساً قوياً أولها وأهمها على الإطلاق الإيمان بقدراتك الذاتية، التي ستواجه أول تحدٍ لها عند التحاقك بالجامعة في الخارج. فعليك الحذر كل الحذر من الصدمة الأولى والانبهار بما لدى الآخرين من مخزون معلوماتي ناتج عن نظام التعليم الأساسي الذي تحصلوا عليه إبان مراحل تعليمهم الأولية الذي قد يفوق بمراحل ما أخذته هنا، فلا تجعل ذلك الشعور يقودك إلى اختيار الطريق الأسهل في التخصص من أجل العودة السريعة، بل عليك أن تدرك أنها الخطوة الأولى نحو تميزك المعرفي وبالتالي نجاحك العملي، وأن ردم الهوة المعرفية مع زملائك الدارسين سهل المنال إلا أنه يتطلب منك جهداً مضاعفاً في البداية.
ويأتي اختيار التخصص الملائم للمنافسة في سوق الأعمال السعودي كتحدٍ آخر يتمثل في عدم الوضوح في حجم سوق العمل ومتطلباته نتيجة قلة الإحصاءات الدقيقة فضلاً عن الصادقة. ونصيحتي هنا هي التركيز على التخصصات الأكثر طلباً على مستوى العالم (أو ما يسمى الوظائف ساخنة الطلب)Hot Jobs ، وألا تقيد نفسك بالوظائف الحالية في الوطن، وعليك أن تتذكر أنه خلال السنوات الخمس، ولحين عودتك ستكون هناك موجات من الخريجين المحليين والوافدين قد حلوا وتجذروا في هذه الوظائف، لذا فإن المنافسة ستشتد، وطريق الوظيفة المرموقة الموازية لما بذلته من جهود لن يكون مفروشاً بـ "مرحباً ألف" بل بمزيد من العرق والكد، ومفتاحك في ذلك التخصص الدقيق والتعمق المعرفي والعملي في أي تخصص عام تختاره. التعمق المعرفي يأتي عن طريق تسجيل أكبر عدد من مواد التخصص الدقيقة التي تثري الجانب المعلوماتي لديك، والعملي يتمثل في محاولة تطبيق ما تعلمته عملياً في بلد الابتعاث، حيث توفر مختلف دول العالم وخاصةً أمريكا هذه الفرصة وذلك عن طريق العمل أثناء الدراسة أو في فترات الإجازة ولو على سبيل التطوع إذا كان النظام يمنع العمل مدفوع الثمن. ومن المعروف أن كل عضو هيئة تدريس في الجامعة مرتبط بشكل أو بآخر بقطاع الأعمال وسيوجهك أستاذ المادة أو المرشد الأكاديمي في الجامعة نحو أفضل الطرق لتنمية مهاراتك العملية. ويعد العمل في الجامعة كمتطوع أو بأجر أسلوبا متبعاً في مختلف الجامعات، ويتفق مع الأنظمة السائدة، كما أن الجامعة تتحمل تكاليف الدراسة، إضافة إلى دفع مرتب أسبوعي للطالب. وسأفصّل في المقال التالي الكيفية التي يمكن بها تحقيق ذلك في المراحل المختلفة من دراسة اللغة إلى الدكتوراة.

دكتوراه في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي