الحكومة تخاطر بزيادة الرواتب

[email protected]

من الصعب أن تتحدث عن موضوع الرواتب، وأن تسير عكس التيار في المجتمع ولكن ما ذكرته مؤسسة (موديز للائتمان) يستوجب التأمل ! بذكرها أن الحكومات الخليجية تخاطر بزيادة الرواتب للموظفين لمواجهة ارتفاع الأسعار، وحذرت من الحلول المؤقتة لتخفيف آثار التضخم المتفاقم، ويكمن (الخطر) في السنتين القادمتين حين تجد الحكومات نفسها معتمدة على أسعار النفط العالية لضبط ميزانياتها ما يصعب عليها التكيف في حالة تراجع الإيرادات، مع استمرار ربط عملاتها بالدُّولار في وقت تبدو فيه سياساتها النقدية مكلفة بدرجة تجعل الدفاع عنها صعباً وتجعلها غير قابلة للاستمرار.
لذلك فإن الحلول المطروحة بـ (زيادة) الرواتب بنسبة 15 أو30 في المائة لن تؤدي إلى مواجهة التضخم الكبير الحاصل لدينا، على عكس ما يري الاقتصاديون أن الزيادة الكبيرة التي حصلت في بعض الدول الخليجية مثل الإمارات وقطر لم تخفض نسبة التضخم، بل أسهمت في زيادة نسبة التضخم أكثر من 8 في المائة، ورفعت قيمة المواد الغذائية وإيجارات العقار وأسعار الأراضي لديهم، وهذا الأمر انعكس لدينا أخيرا وأصبح هناك تضخم في قطاع العقارات السعودية، وبلغت في الإيجارات تحديدا 9.5 في المائة . إذن علينا البحث في الآراء الاستثمارية السابقة والتي ذكرت أن المشكلة الحقيقية للمواطن الذي يعمل في القطاعين العام والخاص هو (السكن والعلاج)، وهو أكبر تأثير في دخل الموظف من معضلة ارتفاع الأسعار في المواد الغذائية والكماليات.
لا شك أن نسبة 6 في المائة للتضخم، اثر في دخل الفرد في السعودية، وبشكل مباشر في موظفي القطاع العام مدنيين وعسكريين وعددهم 1.2 مليون، كذلك موظفين القطاع الخاص وعددهم 765 ألف مواطن، يعيلون جميعاً خمسة ملايين مواطن على أقل تقدير، إضافة إلى 500 ألف أسرة سعودية مسجلة في الضمان الاجتماعي، ومعها (الطامة) الكبرى وهي نسبة البطالة 8 في المائة للذكور, 25 في المائة للإناث، لتصبح المشكلة المالية للمواطن هي أسعار أراضي البناء وإيجار المساكن ومتطلبات العلاج التي تستقطع 50 في المائة من دخل الموظف السعودي، والذي ينعكس سلبياً على العائلة كلها.
وبحساب الزيادة المركبة في رواتب موظفي الدولة والمحددة بفترة ثلاث سنوات التي ستكون محصورة على شريحة معينة من المجتمع، ستؤدي بالتأكيد إلى زيادة التضخم على الجميع، ولن يكون هناك أثر لانخفاض التضخم أو زيادة حقيقية في دخل الموظف الحكومي، والزيادة المؤقتة تعد (إبرة بنج) وأثرها محدود مثلها مثل الدعم الحكومي لسلعتي الأرز والحليب والذي كلف الدولة 800 مليون ريال سنوياً، ولم يصل تأثيره في نهاية الأمر إلى المستهلك وذلك لاستمرار ارتفاع الأسعار على الرغم من الدعم.
هذه الظروف والمعطيات، جعلت الدولة تتفاعل مع الموقف المتزايد يومياً وتقدم مساهمة بإعانات مباشرة بثمانية مليارات ريال سنويا، وتحمل تكلفة الــ 5 في المائة بدل معيشة بنحو عشرة مليارات ريال سنويا، وتقديم قروض إضافية لبنك التنمية العقاري، لتصل في نهاية الأمر التكلفة الإجمالية 60 مليارا خلال السنوات الثلاث القادمة، وهذا المبلغ (الكبير) يجعلنا نؤيد أي فكرة استثمارية خارج إطار المساعدات والإعانات والرواتب المؤقتة المحدودة الأثر، والمطالبة بحل جذري للمشكلة الأزلية التي يواجهها المواطن وهو (السكن والعلاج).

والاقتراح البديل هو دراسة تكوين شركة (استثمارية) تنشأ قبل نهاية 2010، برأسمال 60 مليارا، تكون ما بين بنك (الإنماء) الجديد وشركات المساهمة العقارية والتأمينية، تقدم لهم الدولة منح أراضي سامية، قرب المناطق العمرانية، وهذا الأمر أفضل من ضياع أراضي الدولة غير المستغلة والتي تأثرت بصكوك الاستحكام من المواطنين عليها، أو ضياع الجزء الأخير بالمنح.
وإذا أسهمت الدولة في هذا المشروع الاستراتيجي وقدمت للشركة المقترحة هذه الأراضي مكتملة الخدمات من ( الكهرباء – الماء – الصرف الصحي )، هنا تستطيع الشركة تقديم سكن نموذجي ومتطور للمواطن العام والخاص، ويمكن بيع السكن في حدود 375 ألف ريال وهو سعر مقبول جداً وفي متناول جميع المواطنين، كذلك ستربح الشركة 75 ألف ريال عن كل سكن يباع للمواطن, وبذلك حققنا الهدفين، السعر المقبول والربح الجيد للشركة.
كذلك يستطيع القطاع الآخر من الشركة الاستثمارية العمل على تحديث مستشفيات الدولة بدلاً من وزارة الصحة التي تعد 65 في المائة من مستشفياتها تعمل دون المستوى الطبي المطلوب، وتستطيع الشركة تطويرها بأسلوب استثماري حديث تقبل بها شركات التأمين الطبية، وبذلك يستفيد منها المواطن بشكل عميق ومتميز، لتكون بمثابة حل استثماري يحظى بالقبول العام ولا يكون لها تأثيرات سلبية في زيادة الأسعار أو التضخم، وهذا لا شك دفعة قوية لاقتصاديات العقار والتأمين الطبي في السعودية، إضافة إلى أنها مساهمة كبيرة من الدولة لتقليل الفجوة في المجتمع، كما أن هذه الاستثمار حقيقي لن تضيع فيه أموال الدولة في المواد الاستهلاكية أو الكماليات.
ختاماً: بعد تصريح وزارة الاقتصاد والتخطيط التي حددت الاحتياج القادم بثلاثة ملايين وحدة سكنية حتى عام 2015 ، ولدينا الآن تسعة ملايين مواطن مستأجرون أو ساكنون مع آبائهم، نحتاج إلى سرعة صدور نظام الرهن العقاري لنجتاز عقبة أمام التمويل العقاري, وسيسهم الرهن العقاري مع نظام التسجيل العيني في استقطاب الشركات العالمية للمقاولات، وبنوك التمويل المحلية والعالمية ويحل نسبة كبيرة من مشكلة الإسكان الحالية, وتسهم بتخفيض جوهري في سعر تأجير الوحدة السكنية أو بيعها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي