بكتيريا السالمونيلا تتصدر حالات التسمم الغذائي

بكتيريا السالمونيلا تتصدر حالات التسمم الغذائي

كان أطفال أبي خالد يتقافزون حوله عند دخوله المنزل وهو يحمل وجبة العشاء ليقضي أمسية – كان يظنها جميلة - مع زوجته وأبنائه بعد أسبوع من العمل المجهد. أمانيه في قضاء السهرة في سعادة وراحة بال كلها تلاشت مع صرخات طفلته الصغيرة التي كانت تمسك بطنها وتبكي. ذعر الجميع، وبدأت الأم تسائل طفلتها عمّا بها، لكن تأوهات شقيقها مشاري قطعت هذه التساؤلات ليسارع أبو خالد إلى نقل الطفلين إلى أقرب مستشفى، دون أن يعلم أنه سيكون الضحية الثالثة بعد قليل. مرت الليلة ببطء شديد على هذه العائلة.. وبدلا من أن يقضيها أبو خالد مستمعا إلى ضحكات أطفاله قضاها وهو يتألم لصرخاتهم التي أكد الطبيب أنها ناتجة عن "تسمّم غذائي". حالة التسمم التي تعرض لها أبو خالد وعائلته هي حالة من آلاف الحالات التي تحدث يوميا في كل مكان، بأسباب وأعراض مختلفة. وعن هذه الأسباب يقول لـ "الاقتصادية" الدكتور محمد الشهراني استشاري طب طوارئ في مستشفى الملك فهد في الحرس الوطني في الرياض، إن أسباب التسمم الغذائي متنوعة، منها: عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية، وترك الطعام فترة طويلة في جو الغرفة قبل أكله، وتعرض الطعام للتسخين أو التبريد غير الكافيين، وعدم إنضاج الطعام جيداً عند الطبخ، وتلوث الطعام بطعام آخر ملوث، وتلوث الطعام بأدوات ملوثة، وتجميد اللحوم كبيرة الحجم أو إذابة اللحوم المجمدة بطريقة غير صحيحة، وأكل الخضراوات أو الفواكه دون غسلها، وتناول الأطعمة المعلبة الفاسدة. وعن نوعية الأغذية التي يكثر تسببها في التسمم يقول الدكتور الشهراني أن معظمها يكون من الأغذية التي لم تطبخ جيدا بشتى أنواعها، ولهذا  السبب تكثر هذه الحالات في أطعمة المطاعم التي تستعجل طهي الأطعمة، أو تخزنها فترات طويلة، كما أن الأطعمة المكشوفة هي أحد أسباب التسمم الغذائي مثل التي تباع في الشوارع العامة. ويضيف استشاري طب الطوارئ أن هناك أنواعا كثيرة من البكتيريا المسببة لحالات التسمم الغذائي ومن أشهرها: البكتيريا العنقودية، بكتيريا الكلوستريديوم، وكمابايلوباكتر، وبكتيريا فبريو براهيموليتيكس، بكتيريا السالمونيلا وهي أخطرها، مبينا أن هذه الأنواع من البكتيريا تختلف من حيث تأثيرها في المريض وخطورتها عليه، كما أن لمناعة المريض وقدرة جسمه المناعية دوراً في التقليل من ضررها عليه. وعن عدد حالات التسمم والبكتيريا الأكثر تسببا في حدوثها في المملكة يقول لـ "الاقتصادية" محمد بن فهد باجحزر إخصائي التغذية الإكلينيكية العلاجية في مدينة الملك فهد الطبية إنه خلال الفترة من عام 1416 -1425 هـ بلغ إجمالي عدد حوادث التسمم الغذائي في المملكة - وفق إحصائيات برنامج سلامة الأغذية في الإدارة العامة للصحة الوقائية في وزارة الصحة - التي تم التبليغ عنها 3877 حادثة نتج عنها 26707 إصابات تسمم غذائي وكانت أكثر الحالات المبلغ عنها من منطقة الرياض حيث بلغت أكثر من 3336 حالة. ويضيف أنه ظهر أن بكتيريا السالمونيلا تقف على رأس القائمة في تسببها في التسمم، إذ حازت على نسبة 41.4 في المائة من الحالات. تلتها البكتيريا القولونية بـ 20.2 في المائة, ثم المكورات العنقودية بـ 13 في المائة، وتقاسم باقي المسببات النسبة المتبقية. ويوضح باجحزر أن الكائنات الميكروبية المسببة للتسمم الغذائي تعتمد على البروتين في النمو كركيزة أساسية لبناء وتعويض الخلايا كباقي الكائنات الحية، وعليه فمن الملاحظ أن المواد الأكثر عرضة للتسمم هي المواد ذات المحتوى العالي من البروتين مثل البيض والأطعمة الداخل في تكوينها الحليب ومشتقاته, واللحوم الحمراء والبيضاء ومنتجاتهما. ويلفت الدكتور الشهراني إلى أن الأطعمة الملوثة لا تتسبب في نقل البكتيريا فقط، بل قد تكون سببا في نقل بعض أنواع الفيروسات للإنسان ومن أهمها الفيروس المتسبب في مرض التهاب الكبد الوبائيA . وعن تسبب التسمم الغذائي في الوفاة يقول الدكتور الشهراني إن هذا كان موجودا في السابق، خاصة لدى الأطفال ولكن ذلك قل في الفترة الحالية بشكل ملحوظ نظرا للتثقيف الصحي وانتشار الوعي لدى الناس والمجتمع، وذلك في الذهاب إلى المستشفى في وقت مبكر واتخاذ العلاج المناسب. أعراض التسمّم يخلط البعض بين أعراض التسمم وأعراض أمراض أخرى ويقول الدكتور الشهراني، إن أعراض التسمم الغذائي تتمثل في آلام في البطن تكون على شكل مغص يصاحبه غثيان واستفراغ مع وجود الإسهال، كما أن حدة هذه الأعراض تختلف باختلاف نوع الميكروب المسبب لذلك، مبينا أن الأطفال هم الأكثر عرضة لمثل هذه الحالات، كما أنهم معرضون أكثر للإصابة بالجفاف نتيجة الاستفراغ والإسهال ولذلك قد يحتاجون إلى فترة أطول من العلاج والملاحظة، وقد تسوء حالتهم أحيانا مما يجب تنويمهم في المستشفى. وعن وجود وقت تكثر فيه حالات التسمم. يرى الدكتور الشهراني أنه لا يوجد هناك وقت محدد أو فترة معينة تحدث فيه الإصابة بالتسمم الغذائي، لكنه يستدرك قائلا إن أغلب الأوقات التي تشهد فيها المستشفيات حالات للتسمم الغذائي هي أوقات الدوام الرسمي والمدارس، وتقل نوعا ما في أوقات الإجازة. خطوات احترازية وتجنبا لحدوث التسمم الغذائي يشدد الدكتور الشهراني على أهمية طهي الطعام بشكل جيد؛ لأن البكتيريا تعيش حتى في درجة حرارة 60 درجة مئوية؛ لذلك يحتاج الطعام إلى طهي جيد حتى تقضي الحرارة على جميع البكتيريا، كما أنه يجب الابتعاد عن تناول الأطعمة المكشوفة وعدم ارتياد الأماكن والمطاعم التي تقل فيها درجة النظافة، وعدم تناول الأطعمة المخزنة لفترات طويلة. ويضيف الإخصائي محمد باجحزر إلى ذلك ضرورة تجنب شراء الطعام من الأماكن غير الموثوق بها صحياً، والتأكد من كون المنتجات الغذائية سارية مفعول الصلاحية. ونظافة ومناسبة مواقع تخزين المواد الغذائية. إضافة إلى استخدام الأشخاص المؤهلين صحياً للتعامل مع الطعام. والتأكيد على استخدامهم الوسائل الوقائية كارتداء القفازات، ونظافة الأدوات المستخدمة في إعداد الطعام. وكذلك مناسبة درجات الحرارة وتوقيت استهلاك وتناول الطعام لتجنب البيئة المناسبة للعدوى. ويدعو الإخصائي باجحزر إلى تجنب الاستهلاك من المطاعم الواقعة على الطرق الخارجية بين المدن، لكنه في حالة الاضطرار ينصح بمراعاة القيود الصحية اللازمة للحرص على خلو الطعام من المسببات المرضية كالنظافة وتوافر الشهادات الصحية سارية التاريخ للعمالة القائمة على إعداد الطعام ونظافة الأدوات المستخدمة لمعاملة الطعام وتقديمه ودرجات الحرارة الملائمة لحفظ الطعام وتناوله. وحول قيام بعض محال التموين الغذائي بتخفيض أسعار بعض الأغذية التي قرب موعد انتهاء صلاحيتها، ينّبه باجحزر إلى أن العلاقة بين صلاحية المنتجات الغذائية للاستهلاك الآدمي وعدمها تعتمد على توقيت تناولها (أكلها)، كما أن التواريخ المستخدمة لتحديد مدة الصلاحية تقريبية ما يوجب علينا إعادة التفكير والحرص بالتعامل معها. ويدعو باجحزر إلى الامتناع عن الشراء في حال الرغبة في تخزينها وذلك لاحتمال نسيان تواريخ الصلاحية فيما بعد. دور الرقابة تؤكد إحصائيات أقسام الطوارئ في المستشفيات أن غالبية حالات التسمم الغذائي ناتجة عن أغذية مصنعة خارج المنازل، وواضح أن ذلك ناتج عن عدم اهتمام معدي هذه الأغذية بالنظافة والنوعية الجيدة، وتتولى الإدارة العامة لصحة البيئة التابعة لأمانة منطقة الرياض مسؤولية الرقابة الصحية على المنشآت التي ترتبط ارتباطا مباشرا بالصحة العامة مثل: صالونات الحلاقة، ومغاسل الملابس، والشقق المفروشة والفنادق، إضافة إلى مصانع المياه والأغذية. ويقول لـ "الاقتصادية" المهندس سليمان البطحي مدير عام الإدارة العامة لصحة البيئة إن فرق التفتيش المركزية في الإدارة تتولى الرقابة الصحية والتفتيش على ما يقارب 60 ألف منشأة خاضعة لإشراف المراقبين الصحيين في الإدارة العامة لصحة البيئة والبلديات الفرعية التابعة لأمانة منطقة الرياض، مبينا أن توزيع المراقبين الصحيين في الإدارة العامة لصحة البيئة يتم حسب جدولة المحال بحيث تتناسب مع عدد الجولات التفتيشية للمراقب الصحي وعدد الزيارات لكل مراقب مع أعداد المنشآت التابعة لنطاق كل بلدية. ويضيف أن مهمة اللجنة هي التحقيق في حوادث التسمم الغذائي وتحديد السبب والمتسبب وحصر المسؤولية ومن ثم ترفع اللجنة توصياتها متضمنة التوصية المناسبة إلى الأمير متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية ليقرر توقيع العقوبة المناسبة. ويكشف البطحي أن الإدارة العامة لصحة البيئة قامت خلال الأشهر الثلاثة الماضية بعدد من الجولات الرقابية على ما يقارب 38 ألف منشأة، تم خلالها إغلاق ما يقارب نحو 760 محلاً، وتغريم أكثر من أربعة آلاف محل، وأخذ تعهدات وإنذارات على 5300 منشاة. وبيّن أن عدد الجولات الرقابية التي قام بها المراقبون الصحيون في العام الماضي بلغ نحو 175 ألف جولة، تم خلالها إيقاف ما يقارب من 3200 منشأة عن العمل، وأخذ التعهدات والإنذارات على نحو 29900 منشأة في منطقة الرياض. وعن آلية معاقبة المنشآت الغذائية والمحال التي تقع في دائرة الاتهام يوضح البطحي أنه في حال إدانة محل فإنه يستحق عقوبة الإغلاق فورا لحين تصحيح وضعه مع فرض العقوبة المستحقة استنادا للائحة الغرامات الجزائية، كما يوضع على واجهة المحل ملصق يوضح فيه أن إغلاق المنشأة تم من قبل الإدارة العامة لصحة البيئة في أمانة منطقة الرياض بسبب مخالفتها الشروط الصحية.
إنشرها

أضف تعليق