تراتيب الفقهاء

تراتيب الفقهاء

تقرأ في كمال هذه الشريعة ما يقع من كبير اعتبار لمقام الفقه فيها حتى كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يدعو لابن عباس في هذا المقام في قوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) وجاء دعاء الرسول، صلى الله عليه وسلم، تشريعا لمقام الفقه وفضله وقد قال فيه: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)، ومن هنا كان أئمة الصحابة على عناية بفقه الشريعة، وكانوا يقرؤون الفقه بمفهومه الشامل على مراد الشارع، وتكون أحكام الفروع في مفصل العبادات والمعاملات أحد مكونات هذا الفقه الذي أصله الإيمان والمعرفة والتوحيد في مسائل الإلهيات، وقد كان يسمى في كلام جملة من أهل العلم (الفقه الأكبر) وينسب لأبي حنيفة كتاب مشهور في هذا شرحه أئمة الحنفية، والمقصود أن الصحابة هم المؤسسون لتطبيق فقه الشريعة ومقام الاجتهاد الذي جاءت نصوص الكتاب والسنة بذكر أصله وتراتيبه التي تضبط محل الاجتهاد وشرطه، وتعرف بكليات المسائل والمقاصد في العلميات والعمليات، والقارئ في نشأة المدارس الفقهية وأخصها المدارس الأربع: مدرسة الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية يرى اتصالا لأئمة هذه المدارس بفقه الصحابة، لكن يبقى أن كل مدرسة بلغها وانتظم عندها من فقه بعض الصحابة أكثر من غيره، فمثلا أثر فقه مدرسة ابن مسعود في الحنفية مشهور، فإن أصحاب عبد الله، رضي الله عنه، نشروا فقهه في الكوفة وجرى على فتواه وقوله كثير من التخريج، وتقرأ أثراً لمدرسة ابن عمر وفقهه في أهل الحديث في المدينة النبوية، حتى صار من أصح الأسانيد في الرواية: مالك عن نافع عن ابن عمر.
وهذا الاتصال في رواية الحديث يشير إلى اتصال علمي في الفقه، ولهذا فإن أئمة الحديث في المدينة النبوية، وبعد ذلك في بغداد لهم بناء على جملة من هذا الفقه المنقول عن جملة من الصحابة الذي شاع علمه في أهل الحديث، وهذا يدل على سعة في شيوع فقه الصحابة الذي يُعد المقدمة الكبرى للفقه والاجتهاد بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن هنا فإن من الفاضل للباحث والناظر في علم الشريعة أن يتوسع في قراءة فقه السالفين من الصحابة والتابعين، وقد جمعت كثير من كتب الرواية فقها كثيرا مأثورا، ومن أخص ذلك ما جاء في مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة إضافة إلى القراءة في كتب متقدمي الفقهاء ومسائلهم كمسائل المدونة عن مالك إمام المدينة النبوية، ومسائل أحمد، وأئمة الحنفية، وكلام الشافعي في الأم، فإن هذا يعطي الناظر قوة في فقه العلم، والله الهادي.

الأكثر قراءة