انحناءة أوباما
أثارت انحناءة الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما لمليكنا الجليل حين التقاه أثناء قمة العشرين التي عقدت أخيراً في لندن، تجاذبات وردود أفعال متباينة داخل الولايات المتحدة، البعض منها وللأسف حاول تصويرها بصورة سلبية واصفا إياها كسقطة للرئيس الأمريكي الجديد تكشف عن ضعف في شخصيته، واستغلها البعض الآخر لمهاجمة بلادنا خصوصا والإسلام عموما، وحين نتتبع من هو هذا البعض الذي أراد أن يجعل "من الحبة قبة". لا نستغرب كل هذه الضجة التي أثيرت حولها خصوصا في البرامج التلفازية وخاصة الساخرة منها، فهذا البعض هو بقايا اليمين المتطرف والمتشنج والمتعصب خصوصا بعد خسارته في الانتخابات التشريعية والرئاسية، فهذا اليمين المتصهين وجدها فرصة للثأر من الحزب الديمقراطي وتشويه شخصية الرئيس أوباما من خسارته المدوية، فعملت على التصيد في المياه العكرة، معتبرة أن تلك الانحناءة غير لائقة من رئيس الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم، وأنها تمس الكرامة الوطنية الأمريكية!!
هذه الحملة الشرسة المثارة على الرئيس أوباما، مستغلة الانحناءة، تأتي ضمن تصفية حسابات سياسية أمريكية داخلية، وعلى خلفية خسارة اليمين وخاصة تيار المحافظين الجدد الذي سيطر على الحزب الجمهوري طوال سنوات إدارة بوش، ففشلهم المدوي في الانتخابات خلق لديهم صدمة لكونه عطل مشروعهم عن الاستمرار في تنفيذ أجندته الدينية المتأثرة لحد بعيد بأساطير صهيونية، وضربة قاصمة خصوصا أنهم خرجوا من السلطة وهم يجرجرون سمعة سيئة وسيرة مشينة وتاريخا ملطخا بكل أشكال التعدي على قوانين حقوق الإنسان وعلى كل القيم الأخلاقية والإنسانية السياسية، ولهذا ومنذ خسارتهم لم يكلوا ولم يملوا من العزف على أسطوانتهم المشروخة وهي الأمن القومي الأمريكي ويحذرون من أن الأسلوب الأخلاقي، وإن كان نسبيا وما زال محدودا، الذي طبع سياسة الرئيس أوباما وإدارته الديمقراطية، يهدد هذا الأمن حين يتعامل مع العالم، وخاصة المتهم بأنه منبع الإرهاب، بهذه الرؤية الجديدة القائمة على الحوار لا الصدام والتفاهم لا الصراع المفتوح.
من جانبنا نحن لم نر في تلك الانحناءة من الرئيس أوباما لمليكنا – حفظه الله – بهذه الصورة التي تراها تلك الجهات الأمريكية المتوترة والمتشنجة على أنها ضعفا في شخصية الرئيس أوباما، بل نعيدها أولاً إلى أنها تعبر عن ثقافة أخلاقية يتمتع بها الرجل نتيجة لتأثره بثقافات متعددة وأهمها الثقافة الإسلامية وقيمها الأخلاقية، ويقدم من خلالها فعلا نموذجا أمريكيا جديداً يريد إزاحة الصورة النمطية لرعاة البقر بكل عنفهم ونزقهم كما كان يمثلها رموز إدارة المحافظين الزائلة من بوش لتشيني لرامسفلد لكوندوليزا رايس، وثانيا سمعة خادم الحرمين الشريفين الإنسانية الواسعة، وريادته في قيادة حوار عالمي بين الحضارات والأديان يهدف للتعايش السلمي، بدلاً من صراع حضارات كادت إدارة بوش أن توقع العالم في أتونه، هي التي فرضت على أوباما وهو الشاب القادم لعالم الأضواء السياسية أن يعبر عن ذلك بطريقة تنم عن أدب جم وتقدير لمكانة وشخصية مليكنا البارزة، فلا غرابة في الأمر.
الذي دفعني لتناول هذا الموضوع بعد مرور هذا الوقت ورغما عن عادية الانحناءة كتصرف احترام وتقدير فقط، هو أنه ما زالت هناك أصوات "نكرة" من متصهينين ما زالوا يمارسون في برامجهم الساخرة التعليقات المسيئة والعنصرية ضد أوباما وضدنا، ووصل بعضها إلى الحد الذي يوجب وقفه عند حده قضائيا من قبل سفارتنا هناك، ولولا البذاءة لذكرت بعض تلك التعليقات السخيفة والسمجة.