النانو واقتصاديات التعليم

اختتم مؤتمر النانو الذي انعقد في الرياض الأسبوع الماضي برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ونظمته جامعة الملك سعود في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات.. اختتم أعماله بالدعوة إلى تضمين التقنية في المناهج الدراسية، بعد أن استعرض المؤتمر عددا من الدراسات والبحوث في تقنيات "النانو" وأثرها في بناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهي دعوة بالغة الأهمية لأنها تستجيب لواقع العصر واستحقاقاته، وتستهدف بناء أجيال تعليمية تستطيع أن تتصالح مع روح العصر ومعطياته التقنية، وتسهم فيها، خاصة بعدما اعترفت بعض القيادات التعليمية بانقطاع حبل السرة ما بين التعليم وسوق العمل، كما جاء في التصريح الشهير لوزير التربية السابق، الذي أشار إلى أن ما نسبته 90 في المائة من مخرجات التعليم العام لا مكان لها في سوق العمل.
وهنا يجب أن نتوقف أمام هذه الدعوة لنطرح بعض التساؤلات كمدخل أولي لإقرار هذه التوصية التي نعتقد أنها لو طبقت فإنها ستشكل نقلة نوعية في نظامنا التعليمي متى ما توافرت لها الشروط الموضوعية للتطبيق. وسنبدأ بسؤال بديهي: هل يتسع البرنامج التعليمي القائم الآن لإدخال مواد إضافية جديدة ؟.. ما نعرفه ويعرفه الجميع أن هناك كل يوم مطالبات بإدخال عدد من البرامج الحديثة للجسم التعليمي، فهناك من يطالب بإدخال الثقافة المرورية كمنهج، وهناك من يفتش عن مكان في المناهج للثقافة الصحية، ومكان لمواجهة فكر الإرهاب, وآخر لمحاربة المخدرات إلى غير ذلك من المطالبات، وكلها حق بالتأكيد، لكن المنهج العام مثقل حتى النخاع بكثير من المناهج التي قوست ظهور أطفالنا بأحمالها الثقيلة، وبالتالي فإن أي إضافة لا بد مع هذا الواقع أن تكون إضافة شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع، ونعتقد أن تجربة التربية الوطنية خير شاهد على ذلك لأنها دخلت على منهج مكتظ لم يسمح لها بما يكفي من الحصص للممارسة التطبيقية، مما حولها إلى مجرد حصة مدرسية ما تلبث أن تطير من أذهان التلاميذ بمجرد انتهاء اختباراتها.
لهذا وأمام ضرورة الأخذ بتوصية إدخال تقنيات "النانو" في برامجنا التعليمية لرفع كفاءة اقتصاديات التعليم، وحتى لا تكون هذه الإضافة مجرد حمل جديد يُضاف إلى الأحمال السابقة، فإن الواجب يقتضي أحد أمرين, إمّا تقليص حصص التربية الفنية والبدنية لإتاحة مجال في البرنامج لـ "النانو" وغيرها مما يراد إدخاله للتعليم، وإما فتح فصول خاصة بالتلاميذ ذوي المهارات التقنية في كل مدرسة، بحيث يتم إعفاء هذه الفصول من بعض المواد لصالح المواد التقنية، بغير هاتين الطريقتين ستكون أي إضافة جديدة هي عبث لا مبرر له، وأعباء تعليمية لن توصلنا إلى تثبيت أي مهارة كما ينبغي، وإنما ستزيد من حجم التعلم من أجل النجاح وحسب، وهذه هي أكثر مخاطر التعليم المزدحم.
يجب أن نلتفت فعليا إلى البرامج الدراسية والحصص التي تستغرقها في الهيكل الزمني العام المقرر للسنة الدراسية، ونعمل على تشذيبها وتهذيبها، فلسنا كمثال بحاجة إلى أن نخرج كل طلابنا وطالباتنا فنانين تشكيليين لنفرض عليهم كلهم مادة التربية الفنية مثلا، كما أننا لسنا في حاجة إلى أن يكونوا كلهم أدباء أو شعراء لنفرض عليهم مادة الأناشيد وهكذا.. وكان يُمكن أن تذهب مثل هذه المواد إلى الجمعيات المدرسية لتترك الفرصة لهواة مثل هذه الفنون لممارستها خارج نطاق الحصص الدراسية المزدحمة.
ما لم نخفف من زحمة المنهج، فلن نصل إلى إقرار تعليم حقيقي يُعنى باقتصاديات التعليم حتى وإن تم إقرار "النانو" في المنهج، إلا إن استطعنا أن نمنح هذه العلوم ما تستحقه من الوقت للنهوض بالتعليم، وتجهيز مخرجاته لسوق العمل الذي نتمناه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي