Author

الضعف في اللغة العربية والمزيد من صيحات التحذير

|
في دراسة حديثة نشرت لي في مجلة "جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" حول تقويم أدوار معلمي اللغة العربية في المرحلتين المتوسطة والثانوية لمعالجة ضعف الطلاب في اللغة العربية، أظهرت النتائج اتفاق 88 في المائة من معلمي اللغة العربية على أن طلابهم ضعاف فعلا في اللغة العربية. والحقيقة أن هذه النتيجة لم تكن مفاجأة نظرا لما يشهده التربويون في مدارس التعليم العام، وفي الجامعات، من الضعف الملحوظ في أوساط الطلاب في اللغة العربية؛ ضعفاً علمياً ووظيفياً: في القراءة والكتابة والتعبير والاستيعاب والتواصل، وفي تحصيل علوم اللغة العربية، وفي الإقبال عليها. وفي ضوء نتائج الدراسات الكثيرة حول مستوى الطلاب في اللغة العربية، فقد انطلق عديد من الصيحات التي تشكو كثرة الأخطاء اللغوية التي يرتكبها طلبة المدارس والجامعات في مختلف نشاطاتهم اليومية، ويقع فيها خريجو الجامعات في المؤسسات الحكومية والأهلية، وفي الميدان التعليمي بمختلف مستوياته وفي الإعلام بوسائله المتعددة، مما جعل الحال تسوء يوما بعد يوم، وتزداد الحاجة إلى معالجة هذه الظاهرة على مختلف المستويات. يقول محمود عمار: "أصبح الخطأ في اللغة هماً يؤرق جفون المهتمين والمعلمين وأولياء الأمور، وأساتذة الجامعات، والغُيُر من أبناء الأمة، وضجت الشكوى من هذا الضعف في كثير من البلدان العربية، وتنادت الصحف، والندوات، والمؤتمرات، والمجامع أن هذا الضعف أصبح بدرجة يهدد اللغة العربية واقعاً ومستقبلاً، يُخشى منه على الأمة، وشخصيتها، وعقيدتها، وكيانها، وصلتها بتراثها وجذورها". وقد تعددت أسباب هذه الظاهرة التربوية المقلقة، فمن الباحثين من يرى أن ضعف الطلبة في اللغة العربية إنما هو بسبب سوء تصميم المناهج المدرسية، كما أن الكتب المدرسية ينقصها عنصر التشويق والارتباط بواقع الطلاب وحياتهم ومتطلباتهم، وتأخر أساليب تقويم الطلاب. ومن الباحثين من يحمل أعداد المعلمين مسؤولية هذا الضعف، ومنهم من يرجعها إلى الطالب نفسه وعدم جديته ورغبته في إدراك المهارات الأساسية في اللغة العربية، وهناك من يحمل الإعلام ووسائله المختلفة مسؤولية هذه الظاهرة الخطيرة. ومهما يكن، فقد أورثت هذه الأسباب لغة ضعيفة باهتة على ألسنة أبنائها، كما أورثت المتحدثين بها جملة من الأخطاء النحوية واللغوية والإملائية، ورداءة في الخط والكتابة، وركاكة وضعفا في الصيغ والروابط الأسلوبية، ومشكلات في القراءة الجهرية، وقصوراً في الفهم والاستيعاب. ونظراً لذلك الضعف المتنامي في اللغة العربية في أوساط فئات وشرائح المجتمع عامة، ومجتمع الطلاب والطالبات خاصة، فإن الحاجة تبدو ماسة الآن - وأكثر من أي وقت مضى- في الوقوف بحزم وعزم لوضع حد لهذا الضعف، وفي البحث الجاد عن الحلول الممكنة لمعالجة أوجه القصور في التعليم، وفي الإعلام، وفي جميع الدوائر والمؤسسات الحكومية والأهلية التي تشترك في تغذية هذا الضعف واستمراره، حتى لا تصبح اللغة العربية غريبة على أبنائها، أو أن ينحصر استخدامها في أوساط النخبة المتخصصة، أو الأوساط الرسمية الخاصة. ونظرا لدور المدرسة في علاج الضعف في اللغة العربية، فإن على وزارة التربية والتعليم، وهي حاضنة المشروع الرائد مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم أن تنسق بين جهودها التي تبذلها في ميدان الحفاظ على اللغة العربية وتطوير تعليمها وتعلمها، وأن تبحث في السبل العلمية والتربوية الحديثة لعلاج الضعف اللغوي لدى طلاب التعليم العام، وتنظر في أسباب تعثر تنفيذ التوصيات والخطط والمناشط التي سبق أن اقترحت لعلاج مشكلة الضعف اللغوي، وإعداد وتنفيذ البرامج والأنشطة العلمية والتربوية والتقنية والإعلامية المعينة على علاج الضعف اللغوي في البيئة المدرسية، والاهتمام بإبراز مكانة اللغة العربية في نفوس الناشئة والطلاب في جميع مراحل التعليم العام، وتنمية حبها في نفوسهم، وتقوية اعتزازهم بها، ومكافأة المبدعين والمبرزين فيها، ومحاسبة الذين يتعمدون الإساءة إليها في البيئة التعليمية. وفي رأيي، فإن علاج ضعف الطلاب في اللغة العربية ممكن وغير عسير، لكنه يحتاج إلى وعي وإدراك بخطورة المشكلة أولاً، وبسرعة المعالجة ثانياً، وبتضافر الجهود وتعاون المخلصين والغيورين على هذه اللغة ثالثاً. وفوق ذلك، تحتاج تلك الجهود إلى قرارات شجاعة تترجم نتائجها إلى برامج وأنشطة وخطط ترتقي بتعليم اللغة العربية داخل المدرسة، وتهتم بسلامتها خارج المدرسة. وإذا لم يتدارك التربويون والمثقفون هذه المشكلة، ويسعوا إلى علاجها والحد من آثارها، فإن العواقب ستكون وخيمة على المشهدين الثقافي والعلمي. فضعف الطلاب لغوياً يعني قصوراً في أداء مهامهم الثقافية والعلمية، وقصوراً في التواصل العلمي مع مصادر المعرفة، وقصوراً ثقافياً يحد من انتفاعهم بالرصيد العلمي الزاخر لأمتهم والأمم الأخرى، وضعفاً في القدرة على الإضافة إلى هذا الرصيد، وفوق ذلك ضعفاً في ارتباطهم بدينهم الإسلامي وتراثهم العربي. وللحديث بقية حول هذا الموضوع.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها