حتى يهنأ بال الأمير

عندما يشارك المسؤول أفراد المجتمع في حمل همومهم ويعرف تفاصيل مشكلاتهم ويستمع لهم ويستشعر ما يعانونه من صعوبات ويعتبر همهم همه، وألمهم ألمه يغدو هذا الموقف بداية الطريق للحل الصحيح لكثير من المشكلات الموجودة اليوم في مجتمعنا، إذ إن من أهم وسائل حل المشكلات التواجد في قلب المشكلة لمعرفة أبعادها والنزول إلى أرض الواقع للاطلاع على أصلها بدلاً من الاكتفاء بقرائتها من خلال المعاريض الورقية أو التقارير الرسمية أو محاضر اللجان المختلفة.
وعندما زار الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة بعض المحافظات مطلع هذا الأسبوع, قال في كلمته لأهالي محافظات الطائف ورنية والخرمة وتربة: " لن يهنأ لي بال حتى تصل المياه المحلاة إلى محافظة رنية", لافتاً إلى أن المجلس المحلي في محافظة رنية ناقش موضوع المياه بشكل مستفيض.
هذا الحرص من سموه إنما هو امتداد للحرص الذي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين حيث يؤكد - حفظه الله - في أكثر من مناسبة حرصه على الإسراع في خدمة المواطنين وتوفير سبل الراحة والعيش الرغيد كافة لهم غير أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو إن كان هذا هو موقف القيادة وهذه المتابعة من قبل أمراء المناطق فلماذا لا تكون الخدمات المقدمة للجمهور بالمستوى المطلوب؟
لقد عجز كثيرون عن الإجابة عن هذا التساؤل فالمال ولله الحمد متوافر والمشاريع معتمدة ومعظم الإجراءات موجودة غير أن المشاكل تبقى كما هي جيلاً بعد جيل بعد جيل ، وإن كان بال الأمير لن يهنأ حتى تصل المياه إلى رنية فإني أتمنى أن يتسرب جزء من هذه المسؤولية وهذا الاهتمام الذي يوليه سموه للخدمات في المنطقة إلى من دونه من المسؤولين التنفيذيين ليس على مستوى محافظات رنية والخرمة وتربة بل على مستوى جميع محافظات المنطقة, التي لا يزال كثير من أحياء مدنها الكبرى لا تصلها المياه إلا من خلال وايتات المياه وإن وصلت إلى بعضها فبشكل متقطع قد يصل إلى مرة واحدة في الشهر.
على المسؤولين اليوم أن يحرصوا على أن يضعوا في بالهم مشكلات المواطن وكأنها مشكلاتهم الشخصية وعليهم أن يعملوا على تغيير أسلوب تعاملهم مع هذه المشكلات بحيث تكون هناك نتائج ملموسة وأن يستشعروا من خلال تعايشهم مع هذه المشكلات حجم المسؤولية التي على عواتقهم وأن يعتبروها جزءاً لا يتجزأ من حياتهم بل يجب عليهم أن يخالطوا الناس ويشعروا بما يعانونه فلن يحرص على توفير المياه من تصل المياه إليه 24 ساعة في اليوم ولن يحرص على إصلاح الشوارع من تكون الشوارع حول منزله مسفلتة لا يوجد فيها أي حفرة ولن يهتم بشبكة الصرف الصحي من لا تزوره وايتات الشفط أسبوعياً لسحب مياه الصرف من منزله ولن يهتم بإصلاح مشاكل القضاء من ليس لديه قضية في المحكمة يتابعها بنفسه ولن يحرص على إصلاح التعليم من أبناؤه يدرسون في مدارس خاصة دولية ولن يعمل على توفير الخدمات الصحية المناسبة من يتوافر له خدمة فندقية في أرقى المستشفيات الخاصة إذا ما أصيب بوعكة صحية.
هذا هو جواب السؤال السابق فسيتحسن مستوى الخدمات عندما يتفاعل المسؤول مع القضايا التي أمامه فلا يهنأ له بال حتى يعمل على إنجاز ما لديه من مسؤوليات على أكمل وجه ويستشعر أن هذا الأمر هو مشكلته وليست مشكلة أحد آخر، ولذلك فلكي يهنأ بال الأمير يجب أن يكون بال المسؤولين كافة مشغولاً بالدرجة نفسها وبالمشكلات نفسها التي تشغل بال الأمير وغيرها من مشكلات المواطنين وأن يقدموا لها الاهتمام نفسه, وأن يحرصوا على أن يتابعوا احتياجات المواطنين بأنفسهم ويتأكدوا من أداء فرق العمل لديهم, عندها لن يهنأ بال الأمير فقط بل بال أفراد المجتمع كافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي