محللون: الرياض تستحضر مصالح الدول النامية في إصلاح النظام المالي العالمي

محللون: الرياض تستحضر مصالح الدول النامية في إصلاح النظام المالي العالمي

تعقد قمة مجموعة العشرين في لندن وسط خلافات أوروبية ـ أمريكية حول سبل معالجة الأزمة المالية وركود الاقتصاد العالمي. ويلاحظ أن الخلافات تتركز حول مدى الحاجة إلى ضخ المزيد من الأموال في هيئة خطط إنقاذ اقتصادي أم يتم التركيز في الوقت الحاضر على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع تشديد الرقابة على الأسواق والمؤسسات المالية.
وبذلك، فلا أحد على جانبي الأطلسي يتحدث عن إصلاحات تطول أساسيات وجذور النظام الاقتصاد العالمي، كما يطالب بذلك الروس بقوة ، ويلمح له الصينيون باعتدال، بينما بح صوت الدول النامية منذ سنوات وهي تطالب به.
ولعل أوضح آخر الدعوات التي تردد صداها في أروقة قمة مجموعة العشرين يوم انعقادها في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي كانت كلمة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي أكد في كلمته في القمة "أهمية مراعاة الآثار السلبية لأي سياسات تتخذها دولة ما في الدول الأخرى إلا أنه وللأسف، فإن معاناة الدول الفقيرة ستزداد، مما يجعلها غير قادرة على تحمل آثار هذه الأزمة، كما أنها ستكون في أوضاع مالية أصعب تجعل من تحقيقها أهداف التنمية الألفية أبعد من أي وقت مضى".
ولعل أقصى ما نجحت في تحقيقه الدول النامية بفضل الجهود التي بذلتها وخاصة السعودية آنذاك هو لفت انتباه العالم الغني إلى أن تأخذ معالجات الأزمة العالمية في الاعتبار احتياجات الفقراء عن طريق ثلاث قضايا رئيسية: التعجيل بإنجاح جولة الدوحة ورفض أشكال الحمائية وتيسير شروط صندوق النقد الدولي في حصول الدول النامية على القروض.
وإذا ما وضعننا مطالب الفقراء من القمة على الرف كما تفعل الدول الغنية، وننتقل لصلب أعمال القمة، يعلق محللين ظرفاء بأن أخطر ما يواجه نجاح أعمال القمة هو انعقادها يوم 2 نيسان (أبريل)، وبالتالي، فإن كل من حاول التسلية بكذبة الأول من نيسان (أبريل) سيصحو في يوم انعقاد القمة على كذبة أكبر تبخر الآمال التي عقدت عليها.

ما مجموعة العشرين؟

أنشئت مجموعة العشرين بناء على مبادرة من مجموعة السبع عام 1999 لتجمع الدول الصناعية الكبرى مع الدول الناشئة لمناقشة الموضوعات الرئيسة التي تهم الاقتصاد العالمي. وتمثل المجموعة 80 في المائة من الاقتصاد العالمي.
وتتألف المجموعة من: الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا والمملكة العربية السعودية، جنوب إفريقيا، تركيا، كوريا الجنوبية، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة مع مشاركة كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ورئاسة الاتحاد الأوروبي (فرنسا) ورئيسي اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية IMFC ولجنة التنمية DC. وعقدت المجموع أول قمة لها بعد الأزمة في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 في واشنطن.

جدول أعمال القمة

من المقرر أن تناقش القمة التقرير الذي أعده صندوق النقد الدولي حول الاقتصادات الدولية الراهنة وأوضاع المصارف التجارية في العالم علاوة على المستجدات في الأزمة المالية الدولية الحالية والحلول الملائمة للخروج من الأزمة المالية الدولية الراهنة. كما تناقش الحاجة إلى إصلاح المؤسسات المالية الدولية، وإلى مجموعة مترابطة من الخطوات على صعيد الاقتصاد الكلي. كما ستنظر القمة في حزمة من الإجراءات من أجل مساعدة جهود التنمية في الدول الفقيرة.
كما التزم القادة في قمتهم السابقة بالتوصل إلى اتفاق على إجراءات تؤدي إلى إنجاح جولة الدوحة. وتقدمت منظمة التجارة العالمية بعدد من المقترحات بهدف المزيد من تحرير التجارة الدولية، أهمها خفض الحد الأقصى للدعم الزراعي من قبل الاتحاد الأوروبي بنسبة 80 في المائة أي من 110 مليارات يورو سنوياً إلى 22 مليار يورو (28 مليار دولار) وتقليص الولايات المتحدة سقفها من الدعم الزراعي بنسبة 70 في المائة أي من 48.2 مليار دولار إلى 14.5 مليار دولار سنوياً. في المائة. كذلك قيام اليابان بخفض دعمها الزراعي بنسبة 75 في المائة. كما ستنظر أيضا في موضوع الحمائية حيث قامت عدة دول باتخاذ إجراءات حمائية لقطاعاتها الصناعية والمالية.
كما ستناقش القمة إعطاء دور أكبر لصندوق النقد الدولي إذ يبدو أنه هو الرابح الأكبر من هذه الأزمة. فبعد أن استغنى عن ثلث موظفيه في بداية العام (500 موظف) وبدأ كثير من المختصين يتساءل عن جدوى استمرار شرعيته والحاجة إليه قفز فجأة إلى ساحة الأحداث وأصبحت كثير من الدول في حاجة إلى قروضه. ي المقابل تناقش القمة مقترحات لإعادة هيكلة حقوق التصويت الحالية في الصندوق بما يعكس توازن القوى الجديدة.

الخلاقات الأمريكية الأوروبية

يخشى المراقبون من طغيان الخلاقات الأمريكية الأوربية حول كيفية التعامل مع الأزمة المالية العالمية والتباطؤ الاقتصادي على أعمال القمة. وتعقد قمة لندن في وقت يتوقع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تسجيل انكماش في النمو العالمي في عام 2009 سيكون الأول منذ ستين عاما وقد يصل إلى 1 أو 2 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي.
وبينما مازال الاتحاد الأوروبي يدفع بقوة من أجل تشديد الضوابط المالية على المستوى العالمي، فإن واشنطن تريد أن تخفف من القيود عن طريق التركيز على الاقتصاد الحقيقي ودفع الدول الأوروبية إلى إنفاق المزيد على جهودهم لحفز الاقتصاد الوطني.
وقال صندوق النقد الدولي في تقرير صدر الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والصين وإسبانيا وأستراليا فقط هم الذين يسيرون على الطريق الصحيح لتقديم خطط حفز مالي يساوي 2 في المائة من نواتجهم المحلية الإجمالية لهذا العام.
ورغم أن قادة الاتحاد الأوروبي اتفقوا على خطة حفز اقتصادي تقدر بـ200 مليار يورو (256 مليار دولار أمريكي) خلال قمة في كانون الأول (ديسمبر)، إلا أن هذا المبلغ يوازي 1.5 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وتعد الولايات المتحدة أنها أعطت المثل بإقرارها خطة إنعاش بقيمة 787 مليار دولار، وتنسجم دعوتها لاعتماد خطط مماثلة مع ما يدعو إليه صندوق النقد الدولي. واتخذت اليابان موقفا مماثلا إذ دعا وزير ماليتها كاورو يوسانو مجموعة العشرين إلى اعتماد خطط إنعاش اقتصادي عوضا عن مراجعة قوانين مراقبة القطاع المالي.
كما أعلنت الولايات المتحدة أخيرا عن خطة بقيمة تريليون دولار لشراء الديون المتعثرة للبنوك الأمريكية. وأبدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن تحقق الخطة الحكومية مساعدة النظام المالي المترنّح وتخفيف العبء عن المصارف والمؤسسات المالية وتخفيف الضغوط الائتمانية. ووصف أوباما الخطة بأنها أحد أكثر العناصر أهمية في الجهود الرامية إلى تشجيع تدفق الائتمان. وأضاف "إن المشكلتين الآنيتين هما تثبيت استقرار النظام المالي وتفادي مخاطر هبوط الأسعار التي يواجهها الاقتصاد العالمي. إنهما أهم مسألتين".

الموقف الروسي

يبقى الموقف الروسي مميزا لجهة مطالبته بإصلاحات أكثر جذرية في بنية الاقتصاد العالمي الراهنة. وتنوي روسيا أن تقدم إلى قمة العشرين التي سيشارك فيها مدفيديف، ثمانية مقترحات وردت بالتفصيل في بيان الكرملين، وتقترح روسيا خصوصا تبني معايير اقتصادية وميزانية مشتركة لكل الدول التي تتمتع بقوة اقتصادية كبيرة مع إطار عالمي لضبط النظام المالي والإشراف عليه مثل كل ما يتعلق بوكالات التصنيف وصناديق المضاربة. وترى موسكو أيضا أن عدد العملات التي تستخدم احتياطا في المصارف المركزية يجب أن يرفع وتقترح إيجاد "قطع فوق العملات الوطنية" تصدرها مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي، وكذلك موسكو ترى أيضا أن دور ومهمة هذا الصندوق يجب أن يخضعا لمراجعة إلى جانب تعزيز الوسائل التي يملكها. كما تؤكد روسيا ضرورة تنسيق المساعدة للدول الفقيرة التي تضررت كثيرا من الأزمة وتحسين المعرفة الاقتصادية والمالية للسكان، وأخيرا يجب على العالم ألا يهمل قضايا أمن الطاقة وتوفيرها.

الموقف الصيني

الموقف الصيني يبدو راضيا كل الرضا عن الأوضاع الاقتصادية ما قبل الأزمة التي دفعت الاقتصاد الصيني لتبوّؤ الاقتصادات العالمية من ناحية سرعة نموه لعدة سنوات، وحقق للصين مكانة مرموقة وثقلاً أكبر. وبالتالي، فهو يتطلع إلى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأزمة. فقد أعربت بكين عن تفاؤلها بأن تحقق قمة العشرين نتائج إيجابية بفضل الجهود المشتركة لكل الأطراف.
وأعرب مسؤولون صينيون عن استعدادهم لدعم أي إصدار للسندات من قبل صندوق النقد الدولي. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2008 كانت الصين تمتلك سندات خزانة أمريكية بقيمة 696.2 مليار دولار، ممولة بذلك إلى حد كبير الدين الأمريكي.

المشاركة السعودية ومواقف الدول النامية

يقول الدكتور عبد الله القويز إن المملكة وبقية دول مجلس التعاون قامت بدورها في المساهمة في التخفيف من آثار الأزمة المالية الحالية وذلك عن طريق ترك أسواقها مفتوحة أمام الواردات من جميع دول العالم، والمساهمة في توفير موارد إضافية للمؤسسات المالية والبنوك المتعثرة في أوروبا وأمريكا عن طريق صناديقها السيادية والمستثمرين الآخرين. كما تحملت تبعات ما أفرزته الأزمة من انخفاض في أسعار البترول وإصرارها على الاستمرار في برامجها التوسعية في مجال تطوير الحقول النفطية المنتجة حالياً والاستمرار في تطوير حقول جديدة لضمان تدفق البترول للاقتصاد العالمي، وتمويل ذلك من مواردها الذاتية.
ووصف اللورد مارك مالوك براون وزير الدولة البريطاني، السعودية بأنها قوة مهمة في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية، مضيفا أن للسعودية حافزا كبيرا لترى الاقتصاد العالمي ينمو من جديد، فأسعار النفط انخفضت بسبب الركود العالمي، وكمنتج للنفط هناك حافز مهم في أن يحدث تحول في الاقتصاد العالمي. ويقول أحد الخبراء الاقتصاديين السعوديين عندما تطالب المملكة بإدخال تعديلات جذرية على النظام المالي العالمي، فإنها تطالب بمراعاة مصالح بقية دول العالم والدول النامية جميعا والدول الخليجية خاصة.

التوقعات من القمة

وبصورة عامة، يرى محللون أن الدولة المنظمة للمؤتمر تقول إنها أعدت جدول أعمال شديد التنوع، وستقدمه للرؤساء في قمتهم، غير أن البعض يرى أن توسيع الجدول بهذا الشكل قد يزيد المشكلات عوض تقليص رقعتها.
ويضيفون أننا يجب ألا نتطلع لإنجازات كبرى من المجتمعين في لندن، بل نرغب في أن نرى أنهم يعملون على عدم وجود عراقيل كبيرة تعترض طريق عودة انتعاش الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، وما يعنيه هذا على أرض الواقع هو أن على الرؤساء مغادرة لندن وقد اتفقوا على ما يلي:

أولاً: الاتفاق على مواصلة العمل بخطط الإنقاذ الاقتصادي حول العالم، وخاصة الدول النامية لأنها تساعد على عودة النمو.
ثانياً: وضع جدول زمني يحدد موعد انتهاء مناقشات "جولة الدوحة" وذلك لمواجهة المخاوف الدولية حول عودة التشريعات الحمائية التي تعرقل التجارة.
ثالثا: وضع خطة حقيقية وجدول زمني لتحويل صندوق النقد الدولي إلى هيئة تشريعية دولية تضع المعايير المحددة لعمل البنوك.
رابعاً: الخروج باستراتيجية فاعلة تهدف إلى تحديد وتحييد الأصول المالية المرتفعة المخاطر، والتي تتسبب حالياً في مخاوف تؤدي إلى تراجع مستويات الإقراض في الأسواق.
خامساً: منح حقوق تصويت متساوية لكل الدول في مجموعة العشرين، ويعني ذلك على وجه الخصوص تركيا، الصين، البرازيل، السعودية.

الأكثر قراءة