قمة العرب
تختتم اليوم الثلاثاء القمة العربية في قطر، وندعو الله، عز وجل، أن يعين القادة العرب على تحمل ومن ثم أداء عبء مسؤوليتها الجسيمة، فما هو مطلوب منهم وهم قادة الأمة ومسؤولوها كبير وكثير، ولكن في هذه المرحلة التي تبعثر فيها وتفرق الموقف العربي، فإن الآمال والتمنيات واقعية، ليست حالمة بما هو أكثر ولا طموحة بما هو ليس ممكنا، فأقصى هذه الآمال والتمنيات واقعية، ليست بإبقاء شعرة معاوية الموقف العربي، الذي يكاد ينفصل بين معسكرين وهميين يسمى أحدهما الاعتدال والآخر الممانعة، وأن يوفقهم الله على خلفية ما جرى في قمة الكويت الاقتصادية، وأبرزه تلك المبادرة الصادقة من رجل المبادرات الخيرة الملك عبد الله بن عبد العزيز، حين قاد سفينة العرب إلى بر الأمان، بعد أن كادت تعصف بها الخلافات والانشقاقات والتجاذبات الخطيرة بدعوته للمصالحة العربية التي أثمرت حينها بجمع المختلفين، وأحيت الآمال بعودة اللحمة العربية وتوافقها على المصلحة العربية العليا ولو بالحد الأدنى.
على الرغم من أن قمة قطر قمة عادية، بعد توافق العرب على عقدها سنويا وبتاريخ محدد في كل دولة عربية حسب الحروف الأبجدية، وهو إنجاز عربي أوجد مؤسسة عربية سياسية عرفت بمؤسسة القمة، إلا أن الظروف والأحداث والمتغيرات التي تعقد في ظلها، تجعلها وبامتياز قمة استثنائية، ودون التوقف عند التسمية والتوصيف يمكن القول إن ما هو مطروح عليها ومطلوب من القادة معالجته وليس فقط تقديم مسكنات لم تعد تجدي وأضرت أكثر مما نفعت، مرتبط بقضايا شديدة السخونة، فالملفات المطروحة على القادة العرب مرتبطة بأمن قومي عربي أصبح مهددا في صميمه بل مخترق، وهو ما يتطلب من هذه القمة تحديدا أفعالا، لا مجرد أقوال، تتمثل في اتخاذ موقف عربي جامع حيال كثير من المتغيرات التي لو تركت تمضي في سبيلها فستؤدي بنا إلى دفع أثمان باهظة تفقدنا ما تبقى لنا من موقع متآكل أصلا بسبب غياب وحدة الموقف والعجز عن التفاعل مع نتائج هذه المتغيرات.
المطلوب من قمة العرب في الدوحة هو التصدي وليس تجاهل قضايا مؤثرة وخطيرة على أمننا العربي المشترك، ابتداء من ضرورة إصلاح البيت الفلسطيني الداخلي بتدخل عربي فاعل، ليس مع فريق ضد آخر، ولكن لمصلحة القضية وتفعيل الجهد العربي لإعادة إعمار غزة، مرورا بصعود التطرف اليميني العنصري الفاضح وغير المستتر خلف أقنعة السلام الكاذب في كيان العدو الصهيوني وما تمثله رموز مثل (نتنياهو وليبرمان) من توجه عدواني، وكذلك التغير العالمي الضخم بسبب الأزمة المالية العالمية وما أفرزه من متغيرات جوهرية يمكن استثمارها عربيا بجعل العرب قوة فاعلة ومؤثرة كما جرى في عام 1973، بعد حرب أكتوبر التي كانت آخر تجليات الموقف العربي بما جعل العرب آنذاك يصنفون بأحد القوى العالمية، وصياغة سياسة عربية للتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل فوز الديمقراطيين برئيس من خارج السياق الأمريكي، وعلى خلفية تورطها في العراق وأفغانستان وبحثها عن حبل نجاة يحفظ شيئا من كرامتها العظمى، وأهم تلك القضايا هي استعادة الدور العربي الإقليمي وعدم تركه في أيدي قوى أخرى تستخدم قضايانا ولا تخدمها، وفي هذه المرحلة يجب استعادة هذا الدور من خلال بناء تكامل وشراكة مع قوى إقليمية من موقع الشريك وليس المستنجد.
لذلك كله فإن هذه القمة ستكون هي الفيصل في تحديد وضع العرب على الخريطة الإقليمية والدولية كفاعل مؤثر وقادر، أو ترسيخ وصفهم بـ (بالرجل المريض) وهو ما سيشجع العدو الصهيوني من جهة، ومن جهة أخرى يفسح الطريق لقوى إقليمية لتوسيع دائرة نفوذها على حساب المصالح العربية.
هل نحن متشائمون ..؟ كلا.. ما يدعو إلى التفاؤل وليس العكس هو وجود زعماء بمواصفات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فهم قادرون على قيادة الدفة العربية وتحمل المسؤولية، ويمتلكون الإرادة ويعون المخاطر، فالجرس الذي علقه الملك عبد الله في قمة الكويت لا بد أن يسمع صداه في قمة الدوحة، وإلا فعلينا السلام.