Author

تبعات الأزمة: خلق الوظائف محلياً!

|
"إن لم يتم التعامل معها، فإن أزمة اليوم المالية ستصبح أزمة الغد الإنسانية. وسيزداد الاضطراب الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي، مما يفاقم جميع المعضلات والمشكلات الأخرى" بان كي مون – الأمين العام للأمم المتحدة محذراً من تبعات الأزمة المالية التي تهدد آفاق الاقتصاد العالمي. بدأت معظم الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث باختلالات وأزمات تطول القطاع المالي والنقدي أولاً جراء ظروف مختلفة قد تكون مرتبطة بأسعار الصرف كالأزمة المكسيكية في عام 1995، أو بعمل البنوك كالأزمة اليابانية مطلع التسعينيات، أو بالاستثمار الأجنبي وأسعار الصرف في حالة الأزمة الآسيوية صيف 1997، أو بأسواق المال كأزمة "الدوت كوم" في أمريكا مطلع الألفية، أو القطاع العقاري والمالي كالأزمة الحالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي وتعد الأشد خطراً منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وتظل الأزمة المالية عادة بعيدة عن اهتمامات الشخص العادي حينما تكون مادة إخبارية وإعلامية فقط، إلا أن أهميتها تزداد مع انتقال الأزمة المالية إلى مفاصل الاقتصاد الحقيقي وتأثيرها في النمو الاقتصادي ومستقبل الشركات والاقتصادات الوطنية. فانتقال الأزمة إلى الاقتصاد الحقيقي قد يعني ارتفاع معدلات البطالة، ارتفاع معدلات الفقر، تأثر المستوى العام للأسعار، تفاوت توزيع الدخل، تأثر الخدمات الصحية والتعليمية، وتأثر بناء رأس المال الاجتماعي سلباً. وبتناول العشرين عاماً الماضية، فكما أدى الترابط الاقتصادي والعولمة إلى استفادة عدد كبير من الاقتصادات المفتوحة من النمو في الاقتصادات الأخرى مقارنةً بالاقتصادات المغلقة نسبياً، فإن الترابط الاقتصادي والعولمة تؤدي إلى تأثر الاقتصادات المفتوحة سلباً نتيجة لأزمات الاقتصادات الأخرى فيما يطلق عليه العدوى المالية أو العدوى الاقتصادية. ولكون الاقتصاد السعودي اقتصادا مفتوحا يعتمد على النمو العالمي ويتمتع بعضوية منظمة التجارة العالمية منذ عام 2005، فإن تبعات الأزمة المالية العالمية ستطول قطاعات من الاقتصاد الوطني ولو بصورة متفاوتة وبفاصل زمني يقاس بسرعة تأثر مختلف القطاعات وانكشافها على الأسواق العالمية والاقتصادات المتأثرة بشكل كبير. وبطبيعة الحال، فإن التغيرات الاقتصادية سواء أكانت نمواً أو تراجعاً تتبعها تغيرات وتأثيرات اجتماعية قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية لا بد من تحليلها والغوص في أعماقها وتبعاتها للحكم على محصلتها النهائية وتأثيرها في مسيرة تراكم رأس المال الاجتماعي. هذا التحليل والتشخيص للتبعات الاجتماعية والاقتصادية للأزمات يعد الخطوة الأولى للوصول إلى سياسات تحوطية واستباقية وحلول تقلل من الآثار الاجتماعية السلبية التي قد تطول مجتمعنا نتيجة للأزمة المالية. ويأتي في مقدمة القطاعات الاقتصادية السعودية المعتمدة على النمو الاقتصادي العالمي قطاعي النفط والبتروكيماويات اللذان تأثرا بالأزمة المالية من خلال تراجع أسعار النفط وإنتاجه وبالتالي عوائده بشكل كبير وبتراجع أرباح "سابك" بنحو 95 في المائة مع تراكم المخزون. أما القطاع المالي فقد تأثر بتراجع سوق الأسهم السعودية بشكل كبير على الرغم من قدرة البنوك على تحمل تبعات الأزمة المالية لحد الآن. ومع استمرار الأزمة المالية العالمية واختناق سوق الائتمان من المرجح انتقال تبعات الأزمة إلى القطاعات الاقتصادية الأخرى بما في ذلك القطاعات غير التجارية والتي تعتمد على السوق والاقتصاد المحلي. أما فيما يتعلق بقنوات بناء رأس المال الاجتماعي، فالإنفاق الحكومي على قطاعي التعليم والصحة ما يزال مرتفعاً ومن المتوقع أن يؤتي نتائج جيدة إذا ما تم توظيف الموارد بكفاءة وفعالية تستهدف الجودة ورفع القدرة التنافسية عالمياً لمخرجات هذين القطاعين. وأخيراً، تأثر مختلف القطاعات الاقتصادية بالأزمة المالية سلباً قد يؤثر في المواطن مباشرة من خلال عمليات تسريح الموظفين وهي عملية قد تأخذ وقتاً أو من خلال تجميد التوظيف، وهو ما نخشاه. أي أن وظائف أقل يتم خلقها في الاقتصاد، بينما أعداد الخريجين في تزايد مستمر أو على مستوياتها السابقة. لذا، فإن تراجع عملية خلق الوظائف قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين خصوصاً في ظل غياب خطط إحلال للعمالة الوطنية مكان العمالة الوافدة. ففي نهاية المطاف، يظل تسريح الموظفين محكوماً بقانون العمل والعمال بينما يبقى تجميد التوظيف محكوماً بحسابات الربح والخسارة لمنشآت الأعمال.
إنشرها