Author

الانتصار لا يتحقق لأمة تحارب نفسها

|
جاء خطاب خادم الحرمين الشريفين الموجه للأمة الذي ألقاه في مجلس الشورى يوم الثلاثاء الماضي بليغا ومختصرا، وكانت مضامينه واضحة ودلالاته قوية. ومما قاله ـ حفظه الله ـ: إن الأمة تواجه تحديات يأخذ بعضها برقاب بعض، وإن هذا يستدعي من الجميع يقظة وتوحيدا للجهود، فالانتصار لا يتحقق لأمة تحارب نفسها. كما أكد - أيده الله - عزمه على مواصلة مسيرة التطوير. وقد تلقت الأمة هذا التأكيد الملكي بمزيد من الغبطة والابتهاج. فقد بات الجميع يدرك أن التطوير والإصلاح هما سبيل النجاة من التحديات والمخاطر، وهما اللذان سيحفظان للبلاد أمنها واستقرارها لمواصلة مسيرتها التنموية ولاحتضان أبنائها وتحويلهم إلى قوى منتجة تبعدهم عن شبح الفراغ القاتل والإحباط المدمر الذي يجعلهم عرضة للأفكار المتطرفة. ونظرا لأن نجاح مسيرة حركة التطوير يعتمد كثيرا على تطوير بيئتنا العدلية، فقد أولت قيادتنا اهتماما بالغا بهذا الجانب نظرا لآثاره المهمة في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية. إن نجاحنا في تطوير بيئتنا العدلية يهيئ البيئة المناسبة لتوطين مزيد من رؤوس الأموال الوطنية وتشجيع قيام مزيد من المشاريع الاقتصادية النافعة التي تدفع اقتصادنا قدما نحو تحقيق معدلات نمو اقتصادي تفوق معدل نمو السكان. فهذا هو سبيل توليد فرص عمل كافية للسكان، وسد حاجاتهم المتزايدة من السلع والخدمات. إن قرارات رجال الأعمال المتعلقة بتوسيع استثماراتهم في أي بلد في العالم تعتمد – بعد دراسات الجدوى الاقتصادية - على مدى تطور ومرونة ووضوح الأنظمة واللوائح القانونية التي تحكم النشاطات الاستثمارية. فالمستثمرون يريدون الاطمئنان على حقوقهم، وضمان نجاح مشاريعهم، وهذا لا يتحقق إلا في بيئة متطورة من الناحية التنظيمية والقانونية. وكلما كانت هذه الأنظمة حسنة وميسرة لأعمالهم (من وجهة نظرهم هم لا من وجهة نظر ما يظنه إداريو الجهاز البيروقراطي الحكومي أنه حسن) كانوا أكثر اطمئنانا وانجذابا للاستثمار في البلد المعني. وقد كشفت دراسة أعدها منتدى الرياض الاقتصادي بعنوان "البيئة العدلية ومتطلبات التنمية الاقتصادية" عددا من المعوقات التي تحول دون وجود بيئة عدلية مناسبة ومتطورة في بلدنا، منها: تأخير البت في القضايا، بطء تنفيذ الأحكام، نقص الكوادر المؤهلة في الأجهزة القضائية، طول إجراءات صدور الأنظمة، ضعف التزام بعض أطراف القضية بمواعيد الجلسات، بل وضعف التزام بعض القضاة بمواعيد الجلسات، ممارسة القاضي أعمالا إدارية تعوق عمله، هذا إلى جانب بطء اعتماد التصديق على قرارات التحكيم، ومحدودية دور مؤسسات المجتمع المدني والأفراد في صياغة الأنظمة، وافتقادنا مراجعات دورية لتقويم الأنظمة ومشاركة المعنيين بها عند وضعها بسماع آرائهم، وقلة الدورات التدريبية في المجال التشريعي والقضائي والمحاماة، وندرة ورش العمل والمؤتمرات المتخصصة في المجال التشريعي والمحاماة. وأضافت الدراسة أن من ضمن معوقات البيئة التشريعية: طول المدة المطلوبة لصدور الأنظمة، وعدم وضوح السلطة المختصة بالتشريع من حيث الإصدار والتفسير، وإهمال اللوائح التنفيذية إلي جانب عدم صدور مذكرات تفسيرية للأنظمة. ولا شك أن هذا مدعاة لتفاقم الكثير من المشكلات التي تعوق مسيرة التنمية الاقتصادية. وفي مجلس ضمن بعضا من القضاة وكتاب العدل ورجال الأعمال والأكاديميين والمثقفين، أثنى الجميع على القرارات التطويرية الأخيرة التي تبنتها الدولة أخيرا في مجال القضاء، وجميعهم يأملون في أن يروا نتائج هذه الإصلاحات على الواقع في القريب العاجل، وأن يسهم أهل الاختصاص عند إعداد أي أنظمة بما يرونه محققاً للمصلحة العامة ودافعاً للمسيرة القضائية نحو مزيد من الكفاءة والفاعلية. المشاركة في الآراء قيمتها عظيمة وتكلفتها زهيدة.
إنشرها