الممارسون الصحيون يبحثون عن لائحة تقديم الخدمات "تطوعاً"

لقد شكر الله سبحانه وتعالى من تطوع خيرا ووعد الذين يعملون الصالحات بتعويضهم بالأجر الحسن، وبالتالي تسابق البشر في فعل الخيرات وبذل النفس من أجل الغير أملا في كرم الله وأجره العظيم، إضافة إلى إظهار مودة للناس وتوطيد محبة بين الأفراد والجماعات. من ضمن برنامج نشر مفهوم التنمية المستدامة وبالتحديد في عام 2002 أضافت هيئة الأمم المتحدة لمرتكزات التنمية المستدامة الثلاثة (النمو الاقتصادي, حماية البيئة, التنمية الاجتماعية) مرتكزا رابعا وهو "التطوع" - بالرغم من قدمه كنشاط - الأمر الذي جعل بعض الدول تسعى إلى وضع الأنظمة المقننة لممارسته في جميع المجالات، خصوصا الخدمية منها، بهدف أن يكون الاجتهاد في أضيق الحدود، وأن تكون مبادرات الأفراد والجماعة مظللة بتنظيم يحميهم ويحفظ حقوقهم إذا ما رغبوا في تقديم خبراتهم وخدماتهم سدا لعجز أو تحسين أداء أو تطوير مهارات دون أن يكون هناك طلب لمقابل. في مجتمعنا الكريم الكثير من الأفراد الذين لديهم القدرة على تقديم خدماتهم للغير بغرض الاستفادة من أوقاتهم فيما يفيد ويعود على المجتمع بالخير، إلا أن مسألة كهذه في مجال مثل "الرعاية الصحية" أو "تقديم الخدمات الطبية العلاجية" لا بد أن تقنن لتخرج من دائرة الاجتهاد وتكون ناجعة بكل المقاييس. مع أن المقصود والمفهوم تحدد في كتاب الله عز وجل في مواضع كثيرة وبصياغات مختلفة بين التطوع وفعل الخيرات والقيام بالأعمال الصالحة والعبادات، إلا أننا في زمن نحتاج فيه إلى التنظيم والتقنين والتطوير والحماية من خطأ الممارسة والإفادة الكلية من تقديم الخدمة بشكل صحيح.
في المجال الصحي الذي يشتكي، وسيظل يشتكي من نقص القوى العاملة لأكثر من 15 عاما مقبلة. نحن أمام حاجة ملحة لإيجاد حلول عاجلة قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، خصوصا في الخدمات الإسعافية والعلاجية، ولا بد أن نحاول جميعا في ردم الفجوة قدر المستطاع فكريا وعمليا، فمجرد تنظيم التطوع في ممارسة العمل الصحي بلوائح تسير أحكامه وتظله بملاءة تغطي الأفراد والممتلكات والمواقع لكفيل بخلق روح التعاون وإكساب العاملين من جميع الفئات والمستويات سلوكيات اجتماعية راقية وتطوير للمهنة مهاريا وأخلاقيا، إضافة إلى توفير الحماية للمتطوع والمستفيد.
يمكن أن نتوقع في اللائحة معالجة إمكانية العمل تطوعا في المنشآت الصحية بمختلف أنواعها وفئاتها, وإمكانية العمل تحت إشراف مدرب أو مسؤول أو العمل بناء على كفاءة وخبرة الممارس ودرجته العلمية. أما ما يدور في أذهان الكثير فهي أسئلة قد تشكل بنود اللائحة وهي كالتالي: (1) هل هناك لائحة يمكن تحديثها بدلا من الانطلاق كل مرة "من جديد"؟, (2) هل يحدد الفرد ما يود التطوع فيه وبالتفصيل عملا وزمنا أم يقتصر ذلك على المرفق الذي يعرف احتياجاته فيحدد من يمكن أن يقوم بماذا في أي زمن؟, (3) هل يقتضي ذلك استخراج رخصة دائمة أو مؤقتة تغني عن أن يتم وضع محددات لا حصر لها أو فتح الأمور على عناتها؟, (4) ما الكيفية التي سيعامل بها الأستاذ والخبير والمتقاعد وكبير السن وأي الحالات يمكن له أن يباشر؟, (5) هل في هذه الحالة يصبح ملزما بالتطوع في ذات المجال أو التخصص إذا ما طلب منه ذلك أم فقط يلزم بذلك عند حدوث الكوارث والأزمات؟, (6) ما حقوقه إذا ما حصل أي التباس أو مضاعفات، وما واجباته حيال المهنة والمريض والمنشأة والمؤسسة بشكل عام؟, (7) هل في حالة إصابته (ها) يعامل كما لو كان موظفا أو يعوض حسب الفقرة كذا من المادة كذا من لائحة العمل التطوعي..؟, (8) هل يدخل هذا النشاط ضمن اشتراطات استخراج بوالص التأمين أم أن شركات التأمين لا تغطيه وبالتالي قد نعلق هذا النشاط إلى ما لا نهاية؟, (9) هل يمكن تقدير هؤلاء الأفراد بشكل رمزي أو تقديم بعض التسهيلات بما يعضد علاقاتهم بالزملاء والمتخصصين والمرضى أيضا؟, (10) هل يمتد التصريح للعمل بهذا النظام في موسم الحج أم أن هذا شأن مختلف جدا؟
في الواقع في استطلاع سريع وبزيارة على مواقع عربية على الإنترنت تناولت الموضوع بشكل عام، ووجدت أن مديري بعض المرافق الصحية لا يتذكرون أن صدر تنظيم لهذا الموضوع, أما من ناحية المواقع فكانت منتديات تطلب التوقيع بالزيارة وأخرى تسرد وقائع وافتتاحات ورش ... إلخ. كأنها مصدر إخباري ومواقع قد تكون بذرة جيدة، إلا أنها لم تقترح لائحة لعمل تطوعي معين (حيث إن لكل مجال إجراءات تفصيلية معينة)، وبالتالي تبرز الحاجة فعلا إلى تنظيم هذا المجال. في الواقع قد لخص أعمال التطوع في عدد معين من البرامج كمظلات تنبثق منها أخرى، ولكن ليس لي كفرد أو للعديد من الأفراد أن يقرروا ذلك لأنها جهود وزارات ومؤسسات وهيئات وجمعيات، حيث من واقع الخبرة تطرح مقترحات وتقتبس من مصادر ومراجع ما يعضد ذلك ثم قولبة ما جمع من مادة علمية وتوصيات ووضعه في إطار نظام العمل (في هذه الحالة "الخدمات الصحية") لإصدار قانون يحدث نقلة نوعية في مسيرتنا نحو التنمية المستدامة بإذن الله, والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي