الملك .. التسامح والتنمية

شُرَّف مجلس الشورى السعودي أمس بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، مفتتحا الدورة الأولى من السنة الخامسة للمجلس. وقد ألقى خادم الحرمين كلمة ضافية عرض فيها نقاطا جوهرية تتصل بدور القيادة السعودية وما قامت به الحكومة على المستويين المحلي والدولي، أشار في مستهلها إلى ما يحيط بنا من ظروف ومستجدات وما يتوافر لنا من قدرات وإمكانات وما حمله العام الماضي من تحديات كثيرة وكبيرة تم تجاوزها بتوفيق من الله - سبحانه - ثم بجهود المخلصين من أبناء الشعب السعودي، مما حفظ للمنجزات استمراريتها وللتنمية توالي مكتسباتها بما فيه الخير للوطن وللمواطن.
كان نهج الحوار الوطني حاضرا في ذهن خادم الحرمين، لذلك خاطب أعضاء المجلس بالقول: إن الحوار يجسد وسيلة فاعلة لتعزيز التفاهم وتشكيل الرؤى المشتركة، لذا سعينا لتسخير هذا النهج لنشر ثقافة التسامح والحوار في المجتمع الدولي، مذكرا بما عكسته الحروب والصراعات وما صاحبها من طرح لمفهوم صدام الثقافات وإقحام الأديان في المعمعة، ما أسهم في سيادة العداوات والتطرف، ما دعاه إلى تقديم مشروعه الحضاري للخروج من مأزق هذا الخلل الأخلاقي والسياسي، وكانت نقطة الانطلاق من نداء (مكة المكرمة) لشعوب العالم وحكوماته على اختلاف أديانهم وثقافاتهم مؤطرا من خلاله الرؤية الإسلامية لإعادة تشكيل نسق العلاقات الدولية المعاصرة وفق مفهوم جديد يشيع ثقافة التسامح والحوار ويخدم السلام والاستقرار، ويوجد الطمأنينة والرخاء لشعوب العالم أجمع، ثم ليأتي بعد ذلك مؤتمر مدريد للحوار العالمي كخطوة تالية في تفعيل الرؤية الإسلامية للعلاقات بين الدول والشعوب انطلاقا من روح الإسلام الداعي إلى الاعتدال والوسطية والتسامح، حيث دعا خادم الحرمين من خلال ذلك المؤتمر إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان والثقافات بغية فتح صفحة جديدة في تاريخ البشرية تحل فيها المحبة والوئام محل التوتر والصراع بالسعي إلى المشترك الإنساني وإبراز القيم النبيلة في كل دين وثقافة، مع احترام خصوصية كل معتقد، الأمر الذي تم تتويجه بعقد قمة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في الأمم المتحدة، والذي أسفر في ختامه عن (إعلان نيويورك) مؤيدا ما طرحه خادم الحرمين الشريفين من رؤى وأفكار بشأن مكافحة الظواهر السلبية التي تهدد أمن المجتمع الدولي واستقراره وتخل بمبدأ الإخاء بين الشعوب.
في جانب آخر، تطرق خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته، إلى ما يجابه العالم اليوم من أزمة اقتصادية كونية جراء ما حدث من أزمة مالية قاسية نجمت عن غياب الرقابة والتعويل التقليدي على آلية السوق، منوّها إلى أن الأزمة، رغم أن تأثيرها طال الجميع وأن بلادنا عانت تداعياتها، إلا أن السعودية باركت الجهود الدولية للخروج منها، وشاركت في اجتماع قمة العشرين في واشنطن، وأن باب التفاؤل مفتوح طالما الإرادة السياسية لقادة دول العالم متوافرة لاحتواء هذه الأزمة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن رؤية الحكومة السعودية ركزت في ذلك على أهمية أن تقوم الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية بمسؤولياتها الخاصة تجاه الدول النامية وخاصة الفقيرة منها.
في الشأن الإقليمي أشار خادم الحرمين إلى أن القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة وما يعانيه أهل قطاع غزة والشعب الفلسطيني على وجه العموم، وما تقوم به دولة إسرائيل من بغي وعدوان، إنما هي مما يهدد أمن المنطقة برمتها ومعها السلام العالمي، وأن إسرائيل مسؤولة عن عدم استتباب السلام، وأن الخيار المطروح أمامها وأمام الضمير الدولي مازال يتمثل في تنفيذ ما جاء في مبادرة السلام العربية وبوجود فلسطين مستقلة عاصمتها القدس.
في ختام كلمته أشار الملك عبد الله إلى أن الشأن الوطني يحتل الصدارة في الاهتمام عنده، وأنه رغم الأزمة المالية العالمية وانخفاض أسعار البترول، فالدولة حرصت على الاستمرار في الإنفاق على مشاريع التنمية وتعزيز بيئة الاستثمار، حيث جاء صدور ميزانية العام الحالي بما حملته من عناوين وأرقام حاملا تباشير الخير للوطن والمواطن، ولتؤكد من جديد على متانة الوضع الاقتصادي السعودي، وأن برامج ومشاريع تنموية جديدة تشق طريقها للإنجاز بتكلفة قدرها 225 مليار ريال.
تلك مجرد إشارات إلى أبرز ملامح كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في مجلس الشورى يوم أمس.. طاف بها، حفظه الله، محطات عمل سياسي اقتصادي اجتماعي دؤوب وشاق في جوانب دولية وإقليمية ومحلية، كان محور الاهتمام فيها الحوار والتسامح والمحبة والسلام والأمن لهذا الوطن ومواطنيه ولإخوتهم في البشرية من بقية دول العالم، حيث انطلق مسعاه الكريم من نداء مكة المكرمة وتكرّس كونيا في إعلان نيويورك.. وبين هذا وذاك كانت السعودية وأهلها في الصدارة من شعوره ومشاعره مثلما أن همه واهتمامه الوقوف إلى جانب نصرة الأشقاء العرب في كل ما يكابدونه من مآزق العنف أو الاقتصاد .. وكله عمل مكثف على صعيد الوطن، وعلى صعيد الجامعة العربية وعلى صعيد الإنسانية مع مواثيق الأمم المتحدة وقراراتها.. من أجل سلام العالم وأمنه وتقدمه واستقراره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي