كيف نهدم اقتصادنا

المصانع تغلق أبوابها في الخارج والبنوك تعلن إفلاسها والشركات تسرح موظفيها والناتج المحلي الأمريكي ينكمش بنسبة 2 في المائة، ومعدل البطالة لديهم يتجاوز 10 في المائة، كما أن اقتصاديات منطقة اليورو متراجعة هذا العام بنسبة 3 في المائة وبريطانيا تمر بأسوأ حالة ركود في تاريخها مع تدني مستويات الثقة إلى مستوى مقارب لأسوأ معدل تاريخي، ولم تسلم روسيا من هذه الأزمة فهاهي تخصص 43 مليار دولار لمواجهة الأزمة كما عصفت الأزمة بمليارديرات روسيا فقلصت أعدادهم من 87 إلى 32 مليارديرا، ولم تسلم دول شرق آسيا من آثار هذه الأزمة وفي مقدمتها الصين التي من المتوقع أن تدخل في ركود من خلال تدني واردات العالم من منتجاتها.
يضاف إلى ما سبق ما تحاصرنا به وسائل الإعلام من أخبار مأساوية تسلط الضوء على تداعيات هذه الأحداث الاقتصادية العالمية بحيث يتم ربط كل ما يحدث (محلياً) بالأزمة المالية العالمية وفي مقدمة هذا الأمر سوق الأسهم الذي قد يكون له ارتباط بشكل أو بآخر لكن المشكلة في ربط كل جوانب حياتنا بالأزمة العالمية والعمل على هدم اقتصادنا الوطني من خلال إثارة الشائعات غير الصحيحة عن الأوضاع الاقتصادية بصفة عامة متجاهلين جميع الحقائق التي يقدمها المسؤولون أو الاقتصاديون عن وضع الاقتصاد الوطني.
لقد أكد خادم الحرمين الشريفين خلال جلسة مجلس الوزراء هذا الأسبوع على متانة وقدرة اقتصاد المملكة على مواجهة الأزمة المالية العالمية الحالية، وأنها تسير قدما في برنامج الاستثمارات والإنفاق على مختلف المشاريع التنموية، كما أن هناك الكثير من المؤشرات التي تدعم للتفاؤل من خلال التقارير الصادرة عن عدة جهات منها انخفاض مؤشر التضخم ليصل 6.8 في المائة، واستقرار أسعار النفط فوق حاجز الـ 40 دولار للبرميل، وفي أسوأ الظروف التي قد يصل فيها البترول إلى 30 دولار للبرميل فهناك رصيد نقدي أجنبي ضخم يزيد على ترليوني دولار .
وقد نشر مدير عام وكبير الاقتصاديين في البنك السعودي البريطاني هذا الأسبوع مقالاً ذكر فيه (ما من شك في تضرر رجال الأعمال السعوديين من الأزمة الاقتصادية العالمية. ولكن القطاع الخاص السعودي يملك المال. وفي الغالب، يؤثر العامل النفسي في قناعات الناس وتوقعاتهم. ولكن ليس هنالك سبب لوجود أثر نفسي سلبي يؤثر في رؤيتنا وتوقعاتنا للاقتصاد السعودي. العديد من الاقتصاديين (وأنا من بينهم) سيتوقعون للناتج الإجمالي المحلي الحقيقي أن يكون سالباً أو قريبا من السالب ولكن ليست هذه القصة بأكملها. فنحن بحاجة عندما نحسب الناتج الإجمالي المحلي إلى أن نفهم أن نحو 31 في المائة منه له علاقة بالنفط. وعندما يتحرك إنتاج المملكة من النفط صعوداً أو هبوطاً يتأثر الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي مباشرة. ما الذي يحدث الآن؟ تقوم المملكة بخفض إنتاجها من النفط وهو ما تفعله منذ 2008 ويؤثر ذلك سلباً في الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي. باختصار، انخفض إنتاج النفط ونتيجة لذلك تأثر الناتج الإجمالي المحلي سلباً. المقياس الحقيقي فيما إذا كان الاقتصاد السعودي في حالة أفضل من اقتصادات بقية العالم هو الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي للقطاع الخاص غير النفطي. وعليه أتوقع للناتج الإجمالي المحلي الحقيقي غير النفطي أن يصل في عام 2009 إلى نحو 3 في المائة وهذا بالطبع أقل من نسبة الـ 4.3 في المائة التي شهدناها في 2008).
إن الاطمئنان الزائد والثقة المفرطة أمر غير صحيح وفي المقابل فإن التشكيك وإثارة الشائعات ونشر الأوهام بأن الوضع الاقتصادي على وشك الانهيار أيضاً أمر مؤلم فبعض الناس يصر – وعلى الرغم مما نحن فيه من خير وعافية – على أن وضعنا سيئ وأن اقتصادنا في خطر وأننا على حافة انكماش اقتصادي، كما يصر على أن يربط أوضاعنا الاقتصادية بكافة تفاصيلها بالاقتصاد العالمي متجاهلاً – بقصد أو من دون قصد – ما يتمتع به اقتصادنا من مميزات إيجابية تختلف كثيراً عن اقتصاديات الدول الأخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي