Author

آثار التجارة الإلكترونية على الاقتصاد الكلي للدولة

|
تناولت في المقال السابق الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على العلاقات الاقتصادية الدولية، وإلى جانب تلك الآثار، يترتب على ازدهار التجارة الإلكترونية نوع آخر من الآثار يتعلق بالاقتصاد الوطني للدولة؛ يتمثل في عديد من الميزات النسبية التي تحققها التجارة الإلكترونية للاقتصاد الوطني للدولة، أهمها: ـ دعم التجارة الخارجية للدولة: إذ توفر التجارة الإلكترونية فرص زيادة معدلات الصادرات، وذلك من خلال سهولة الوصول إلى مراكز الاستهلاك الرئيسة، وإمكانية التسوق للسلع والخدمات عالمياً وبتكلفة محدودة، وإمكانية عقد الصفقات التجارية وإنهائها بسرعة فائقة، وكذلك إمكانية تحليل الأسواق والاستجابة لتغير متطلبات المستهلكين. ويبدو أثر التجارة الإلكترونية أكثر وضوحاً في تجارة الخدمات بين الدول ما يؤدي بدوره إلى رفع درجة الانفتاح الاقتصادي في هذا المجال، حيث يمثل قطاع الخدمات نسبة مهمة تقدر بنحو 60 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي، وعلى الرغم من ذلك فإن نسبة مشاركته في الإنتاج العالمي لا تتجاوز 20 في المائة من التجارة الدولية، وربما يعود ذلك إلى أن أداء كثير من الخدمات يتطلب وسيلة اتصال، كما يتطلب القرب الجغرافي بين المستهلكين والمنتجين. ومع ظهور تقنية المعلومات الحديثة فقد هيأت التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت وسيلة الاتصال المفقودة بين المستهلك والمنتج، وبذلك أسهمت في زوال العقبات الجغرافية لكثير من الخدمات. وقد أثبتت إحدى الدراسات القياسية أن الزيادة في استخدام الإنترنت بمقدار 10 في المائة في الدول الأجنبية يؤدي إلى نمو صادرات الولايات المتحدة بمقدار 1.7 في المائة ووارداتها بمقدار 1.1 في المائة. ـ دعم التنمية الاقتصادية للمشاريع المتوسطة والصغيرة؛ إذ تعد هذه المشاريع محوراً أساسياً في التنمية الاقتصادية، وتعاني من غياب الموارد الاقتصادية اللازمة للوصول إلى الأسواق العالمية. ولهذا تُعد التجارة الإلكترونية إحدى الأدوات التي تحقق لتلك المشاريع القدرة على المشاركة في حركة التجارة الدولية بفاعلية وكفاءة، وذلك بسبب ما تقدمه من خفض تكاليف التسويق والدعاية والإعلان، وتوفير الوقت والمكان اللازمين لتحقيق المعاملات التجارية، وهذا ينعكس إيجاباً على تفعيل نشاطات هذه المشاريع، الأمر الذي يدفع عجلة التنمية الاقتصادية. وفي هذا تشير بعض الدراسات الاقتصادية إلى أن انخفاض تكاليف العمليات التجارية عبر التجارة الإلكترونية فيما بين قطاعات الأعمال يُمكن أن يؤدي إلى زيادة دائمة في مستوى ناتج في اقتصادات الدول المتقدمة بمتوسط 5 في المائة على مدى السنوات العشر المقبلة، ما يعني زيادة في نمو الناتج القومي الإجمالي بنسبة 0.25 في المائة في السنة. وتشير تقارير وزارة التجارة الأمريكية أن التجارة الإلكترونية وقطاع تقنية المعلومات كليهما قد أسهما بنسبة 30 في المائة من نمو الناتج المحلى الإجمالي للولايات المتحدة خلال الفترة من عام 1995 إلى عام 1998م. ـ دعم التوظيف: من المعلوم أن عديدا من دول العالم إن لم يكن كلها سواء المتقدمة أو النامية يعاني مشكلات تتعلق بالبطالة وعدم توافر وظائف تستوعب الأيدي العاملة، لذا فقد بذلت المنظمات الدولية المتخصصة جهوداً دولية لتحديد آثار التجارة الإلكترونية على علاقات العمل والتوظيف، منها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي عقدت مؤتمراً عالمياً حول التجارة الإلكترونية في الفترة من السابع إلى التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) 1998 في مدينة أوتاوا، انصبت أعماله على بحث الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتجارة الإلكترونية، وخاصة أثرها على الأبعاد الاقتصادية والأطر الهيكلية لعلاقات العمل والتوظيف، كما عالجت منظمة العمل الدولية المعروفة اختصاراً باسم (الأونكتاد) التابعة لهيئة الأمم المتحدة ضمن تقارير التنمية السنوية، خاصة للأعوام 2002 و2003 والدراسات الأولية لتقرير 2004، الآثار التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات عموما في بيئة العمل والوظائف، وتناولت بالعرض ما أنجزته عدد من الدول في حقل استراتيجيات التعامل مع تحديات البيئة الرقمية ومن ضمنها تطبيقات الأعمال الإلكترونية والتجارة الإلكترونية. ويتضح من أعمال تلك المنظمات الدولية وغيرها التجارة الإلكترونية تحقق ميزات للاقتصاد الوطني للدولة في مجال التوظيف من ناحيتين: الأولى: أنها تحقق فرصاً جديدة للتوظيف، حيث تتيح إقامة مشاريع تجارية صغيرة ومتوسطة للأفراد وربطها بالأسواق العالمية بأقل التكاليف الاستثمارية، لاسيما تجارة الخدمات التي توفر فيها التجارة الإلكترونية آلية للأفراد المتخصصين لتقديم خدماتهم على المستوى الإقليمي والعالمي دون الحاجة للانتقال، الأمر الذي يفتح المجال لهم للانطلاق في الأعمال الحرة؛ والثانية: توفر التجارة الإلكترونية فرصاً وظيفية في عديد من المجالات المختلفة ذات الصلة بتطبيقات التجارة الإلكترونية، مثل المتخصصين في إنشاء المواقع التجارية الإلكترونية، والعاملين والإداريين والفنيين في المتاجر الإلكترونية، إضافة إلى توفير الفرص الوظيفية في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، التي تعتمد عليها التجارة الإلكترونية، من مهندسي الشبكات والبرامج اللازمة لتطبيقات التجارة الإلكترونية وغيرها. إلا أنه يُلاحظ أن استخدام التجارة الإلكترونية من شأنه أن يؤدي إلى الاستغناء عن الوظائف التقليدية وإحلال الوظائف المهارية الجديدة محلها، الأمر الذي يتطلب الاهتمام بتدريب العمالة على استخدام التقنية حتى تستطيع أن تدخل حلبة المنافسة وتفوز بوظائف. وهذا يعني أن التجارة الإلكترونية تؤثر سلباً في الوظائف اليدوية وعلى العمالة غير المؤهلة ولكنها تؤثر إيجاباً في العمالة المدربة تقنياً حيث تستطيع أن تجد وظائف بسهولة، وتساعد على استحداث مسميات وظيفية وتخصصات لم تكن مطلوبة أو معروفة من قبل. ـ دعم القطاعات التقنية: إذ يؤدي انتشار التجارة الإلكترونية على المستوى الوطني للدولة إلى إيجاد مناخ ملائم لظهور قطاعات متخصصة في تقنية المعلومات والاتصالات، وذلك لدعم البنية التحتية L`INFRASTRUCTURE الإلكترونية لتطبيقات التجارة عبر شبكة الإنترنت. ومع تطور التجارة الإلكترونية ونموها وانتشار استخدامها في التعاملات التجارية، تُصبح هناك فرصاً استثمارية لتوجيه رساميل للاستثمار في تطوير وتحسين وتحديث البنية التحتية الإلكترونية، والاستثمار في الخدمات المصاحبة لقطاع تقنية المعلومات والاتصالات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق أو توطين قطاعات تكنولوجية متقدمة تدعم الاقتصاد القومي. وسنتناول لاحقاً ـ إن شاء الله تعالى ـ أثر التجارة الإلكترونية في قطاع الأعمال وعلى المستهلك.
إنشرها