Author

الكبير كبير يا "باجبير"!

|
لطالما أحببت كغيري القراءة لكاتبنا الكبير الأستاذ عبدالله باجبير, ولطالما رافقتني كتبه التي تجمع مقالاته وأفكاره في سفراتي, فقد اعتدت منذ زمن طويل أن أقضي أي رحلة طيران في القراءة نظراً لعدم قدرتي على تزجية الوقت بأي شيء آخر. والأستاذ عبدالله الذي لاتنقصه شهادة كاتب مثلي يعد ظاهرة كتابية فريدة من نوعها, وله جمهور كبير من المتابعين في جميع أنحاء الوطن العربي, ونادراً ما تخلو المكتبات وأكشاك بيع الصحف في مطارات العواصم العربية من كتبه التي تتميز بصغر حجمها وعظم محتواها المشوق والجاذب لجميع فئات القراء, دون أي مبالغة. حسناً.. لماذا أكتب عن "باجبير" اليوم؟! السبب بكل بساطة هو أنني توقفت طويلاً أمام مقاله المنشور في "الاقتصادية" أمس الأول تحت عنوان: "ليلى علوي.. والنصاب السوبر!" وسر توقفي أمام ذلك المقال يكمن في إعجابي الشديد بتواضع هذا الكاتب الكبير والذي ظهر جلياً من خلال الملحوظة التي ختم بها المقال, وهي ملحوظة قد يستنكرها البعض ممن لا يستطيعون قراءة شخصية الكاتب من خلال أحرفه, لكنها تُعتبر في رأيي درساً مميزاً من كاتب بحجم كاتبنا. بدأ باجبير تلك الملحوظة بقوله: " ذكرت اسم الفنانة ليلى علوي في العنوان لأجذب انتباه القراء..." واختتمها بالعبارة الشهيرة : "كله أكل عيش". هل فهمتم ما أعنيه الآن بوصف هذه الملحوظة بالدرس المميز؟! إن كاتباً بحجم كاتبنا ليس في حاجة لتسويق كتاباته من خلال عنوان لافت يتضمن اسم فنانة مشهورة أو غيرها .. فاسمه في حد ذاته كافٍ في رأيي لتسويق مقالاته ومقالات عشرات الكتاب الآخرين أيضاً, لكنه وبتواضعه الجم وبخفة ظله المعروفة مازال يمرر ملامح شخصيته للقارئ بين سطور مقالاته دون قصد أو تكلف, بجانب حرصه على أن يبين لقارئه أنه في حاجة إليه دائماً وأنه لم يتكبر يوماً عليه كما يفعل بعض الصغار! أعرف كتاباً وأشباه كتاب ومثقفين وأشباه مثقفين لم تتجاوز مشاويرهم في مجالاتهم ربع المسافة التي قطعها باجبير لكنهم مع ذلك ينظرون إلى القارئ بفوقية مقيتة, ويعيشون وهماً كبيراً يتصور معه أحدهم أنه محور الكون, وهذه الظاهرة في رأيي مرتبطة غالباً بالفشل والشعور بالنقص لأسباب مختلفة منها الاجتماعية والثقافية أو حتى النفسية! وكثيراً ما يُصدم بعض القراء عندما يكتشفون غرور وعنجهية بعض أشباه الكتاب والمثقفين ممن لايعرفهم سوى أفراد أسرهم وبعض جيرانهم وكم شخص آخر, لكن هؤلاء القراء سرعان ما يتجاوزون الأمر بضحكات ساخرة يبدو معها أولئك الموهومون كمهرجين لا أكثر. إن تواضع الكاتب والمثقف والأديب ليس سوى شيمة بسيطة من شيم الكبار وهو يدل على الرفعة الحقيقية والثقة بالنفس, ومثالا لذلك ما يروى عن "تولستوي" أحد أكبر عمالقة الأدب الروسي والذي كان ينتمي إلى طبقة النبلاء عندما فضل أن يترك حياة الرغد وأن ينزل إلى الشوارع مع المشردين والفقراء ليقاسمهم حياتهم البائسة, وبينما كان يهيم في محطة للقطار، نادته عجوز لحمل متاعها، فتواضع ذلك العملاق وسار خلفها كما يسير العبيد خلف سادتهم.. ولم يتردد في قبول أجرته كحمال أمتعة منها حتى لا تشعر بشيء.. وهكذا هم الكبار دائماً!
إنشرها