تحليل قروض الأفراد يقول بشح آليات تمويل المساكن

كل مال مكتسب يذهب في اتجاهين لا ثالث لهما, الأول مصروفات لتوفير السلع والخدمات التي تتطلبها حياة الإنسان, والثاني مدخرات لعاديات الزمن أو للاستثمار, والتوجيه القرآني يقول بهذا الشأن "ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورا" (الإسراء- آية 29 ), وبالتالي فإن أي مكتسب مالي سواء كان لدولة أو لمؤسسة أو لفرد وينفقه كاملا سيقعد ملوما محسورا, وهو ما يستدعي التفكير مليا في إيجاد آليات لتوزيع المال المكتسب بين الإنفاق والادخار وكيفية التعامل مع المدخرات.
بلادنا بفضل من الله تنعم بإيرادات مالية مكتسبة من مورد طبيعي هو النفط, كما تنعم بحكومة رشيدة تسعى إلى تحقيق أفضل مستويات الحياة الكريمة للمواطن في ظل المعطيات القائمة والمستقبلية, حيث تسعى جاهدة إلى إيجاد أفضل معادلة للاستفادة من الإيرادات المالية تحقق الرفاه للأجيال الحالية, كما تحفظ حقوق الأجيال المقبلة من خلال تحقيق التنمية المستدامة في المجالات والأسواق كافة. ومن أجل ذلك أوجدت منظومة تمويلية متكاملة لتمكين المواطن من الاقتراض لشراء السلع والخدمات الضرورية, بل ربما الكمالية, أو بهدف الاستثمار.
وتشتمل منظومة التمويل في بلادنا على البنوك التجارية الخاصة المعروفة, والبنوك التنموية الحكومية (الصناعي, الزراعي, العقاري, .. إلخ), إضافة إلى بنك التسليف والادخار, كما تشتمل على برامج تمويلية تقدمها وزارة المالية (تمويل المشاريع التعليمية والصحية وغيرها), إضافة إلى ما يقوم به صندوق الاستثمارات العامة والكتل المالية المعروفة من تمويل لكثير من المشاريع بهدف المشاركة أو الاستثمار, وهذا من جانب المؤسسات المالية, أما من جانب السوق المالية فقد تم تنشيط هذه السوق بعد تأسيس هيئة السوق المالية حيث تم تمويل تأسيس كثير من الشركات بطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام والقليل من المشاريع من خلال طرح النزر القليل من السندات والصناديق الاستثمارية.
هذه المنظومة, وإن عانى بعض عناصرها سواء في التطبيق لأسباب تتعلق بطبيعة البشر, إلا أنها في المحصلة أدت إلى ما نحن فيه, حيث أسهمت في توفير المساكن بالنسبة التي نراها حاليا, ومكنت المواطن من شراء ضروريات وكماليات الحياة من سيارات وأجهزة كهربائية وأثاث وغيرها, كما أسهمت في تطوير كثير من المشاريع الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية التي ترفد اقتصادنا اليوم بالمنتجات والخدمات والأموال أيضا.
لكن أي مفكر اقتصادي لا يرضى أن يأخذ هذا الكلام على عواهنه, حيث يسعى إلى الحصول على تحليل كامل لنوعية القروض التي حصل عليها المقترضون أفرادا كانوا أو مؤسسات, ليتأكد من فاعلية هذه القروض في تحريك الاقتصاد الوطني وتنشيطه ليس على المدى القصير فحسب, بل على المديين المتوسط والبعيد كمؤشرات أكثر دقة على الأثر المستدام لتلك القروض.
في الخبر الذي نشرته الصحف في أواخر الشهر الماضي أن عدد المقترضين في المملكة يبلغ مليوني مقترض، وتصل قيمة قروض الأفراد بما فيها شركات التقسيط إلى 257 مليار ريال ( 16 في المائة من الناتج المحلي ) يتوزع أغلبها على القروض الشخصية (54 في المائة) بما يعادل نحو 3.63 مليون قرض (زواج وترميم منازل وغيرها)، تليها البطاقات الائتمانية بـ 42 في المائة، تليها قروض السيارات بنحو (3 في المائة) ثم القروض المنزلية وقروض المنتجات الاستهلاكية بـ 1 و0.5 في المائة على التوالي.
ومن الواضح جدا أن جل هذه القروض تتركز في القروض الشخصية الاستهلاكية ( 54 في المائة + 42 في المائة = 96 في المائة) وهي أموال مصروفة ومتهالكة ذات مردود غير إيجابي متراكم وفاعل على المديين المتوسط والبعيد, بينما تشكل قروض المنازل (1 في المائة = 2.57 مليار) من إجمالي هذه القروض الفردية رغم حجم المشكلة الإسكانية التي نعانيها, ولا شك أن هذا التحليل يقول إن القروض الإسكانية طويلة الأجل صعبة المنال, كما يقول إننا نهدر الثروة أكثر بكثير مما نراكمها, وهو ما يعني ضياع حقوق الأجيال المقبلة بصورة أو بأخرى, حيث الغياب شبه الكامل للأثر المستدام لتلك القروض الضخمة, بل الضخمة جدا.
نسبة قروض المنازل إلى إجمالي القروض الفردية في بلادنا (1 في المائة) تقل بكثير عن دول الخليج (البحرين نحو 15 في المائة) والدول المتقدمة (نحو 25 – 30 في المائة), والاقتصاديون يعرفون الآثار السلبية لذلك, وهو ما يعني أن الفجوة بين حجم قروض المنازل السائدة في دول الخليج والدول المتقدمة يجب أن تعالج بأسرع وقت من خلال تفعيل أنظمة التمويل العقاري بأسرع وقت, ومن خلال تفعيل سوق السندات لتمويل المشاريع العقارية المنتجة للمساكن عالية الجودة متعاظمة القيمة والمتناولة سعريا من ناحية ولتمويل الراغبين في شرائها بضمان دخولهم الشهرية من ناحية أخرى, وذلك لمعالجة شح آليات التمويل الإسكاني الذي يقول به تحليل قروض الأفراد في بلادنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي