Author

الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على مستقبل الإمدادات النفطية

|
(الجزء الأول) لقد تطرقنا في المقالة السابقة إلى تكاليف تطوير الحقول النفطية وتشغيلها في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات ذلك على مستقبل الإمدادات النفطية العالمية, وتركز الحديث على تكاليف تطوير الحقول النفطية وتشغيلها وتقدير متى وإلى أي مستوى ستنكمش هذه التكاليف في ظل أسعار النفط السائدة حاليا. كما تطرقنا بصورة مقتضبة إلى تأثير ذلك في وتيرة النمو في المشاريع النفطية العالمية. في هذه المقالة سيتم التركيز وبتفصيل أكثرعلى تداعيات هذه العوامل مجتمعة على الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط Non-OPEC، خصوصا على المدى القصير. سنقدم في هذه المقالة والمقالات اللاحقة نظرة مفصلة إلى مستوى الإنتاج عام 2008, والتوقعات المستقبلية للعامين المقبلين، موضحين التغييرات التي أدخلتها الدراسات والتحاليل في هذا المجال على توقعاتها السابقة نتيجة الأزمة المالية وهبوط أسعار النفط, وسيتم تحديد المجالات الرئيسة للنمو أو التراجع في الإمدادات النفطية وتحليل أثر انخفاض الأسعار في الإنتاج في مناطق ناضجة مثل: أمريكا الشمالية وغيرها. لقد كان عام 2008 عاما للانقطاعات غير المتوقعة Unexpected Outages في الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط، نتيجة أسباب لا علاقة لها بالمكامن والحقول النفطية، وإنما لأسباب خارجة عن إرادة المنتجين تتعلق بالمناخ والأحوال الجوية, إضافة إلى بعض المشكلات التقنية والحوادث. ولكن في الوقت نفسه شهد هذا العام أداء لبعض المنتجين يفوق التوقعات السابقة. لقد شهد عام 2008 بالفعل انقطاعات كبيرة غير متوقعة تمثل في مجملها أكثر من 500 ألف برميل/ يوميا, فتسرب الغاز الذي اكتشف في أحد حقول أذربيجان العملاقة في أيلول (سبتمبر) الماضي, الذي لا يزال دون حل حتى الآن، أثر سلبا في إنتاج أذربيجان. كذلك الإعصار غوستاف والإعصار آيك, أثرا بدرجة كبيرة في مستوى الإنتاج من خليج المكسيك في الولايات الأمريكية، وتسببت إضافة إلى ذلك في إغلاق بعض المصافي, التي بدورها أثرت سلبا في إنتاج المكسيك. كما أن بعض المشكلات التقنية في أحد حقول البرازيل، فالزيادة غير المتوقعة في إنتاج المياه أثرت سلبا في إنتاج هذا الحقل. القضايا السياسية هي الأخرى كان لها نصيب في إعاقة الإنتاج: فالانفجار الذي أصاب خط الأنابيب بين باكو وتبيليسي وجيهان، خلال فترة النزاع بين روسيا وجورجيا، قلل هو الآخر من إنتاج أذربيجان في آب (أغسطس) الماضي. وأخيرا وليس آخرا كان للأداء المتواضع للشركات الروسية, خصوصا في النصف الثاني من عام 2008, آثاره السلبية في مستوى الإنتاج من روسيا، الذي لم يكن في الحسبان سابقا. في المقابل ـ وكما أشرنا سابقا ـ شهد عام 2008 أداء لبعض المنتجين يفوق التوقعات السابقة, على سبيل المثال: في الصين كان معدل انخفاض الإنتاج من الحقول الناضجة أقل مما كان متوقعا، كذلك النمو في الإنتاج من المناطق البحرية مثل خليج بوهاي كان أسرع من المتوقع. أداء جيد للحقول الناضجة كان واضحا أيضا في كل من كولومبيا، الولايات المتحدة على الشاطئ On-Shore، عمان ومصر. أما على المدى القصير، تشير أحدث الدراسات والتحاليل إلى أن الأزمة الاقتصادية الراهنة، وانخفاض أسعار النفط وتشديد شروط الائتمان على القروض، ستكون لها تأثير كبير في مستوى إنتاج النفط على المدى القصير بصورة عامة وعلى الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط بصورة خاصة. الإمدادات النفطية من المناطق الناضجة Mature Regions مثل روسيا وأمريكا الشمالية وبحر الشمال, قد تضررت بالفعل، على سبيل المثال: معظم الدراسات في هذا المجال قام بتخفيض توقعاته للإنتاج من روسيا لعام 2009 و2010 بصورة كبيرة منذ تفاقم الأزمة في الخريف الماضي. المسألة المهمة والحرجة في هذا المجال هي مدى تأثر شركات النفط الصغيرة بهذة الأزمة؟ وما تأثير ذلك في توقعات مستوى الإنتاج؟ الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة، على الرغم من أنه لا يزال من السابق لأوانه تقييم الآثار الكاملة في الإمدادات النفطية على المدى القصير، لكن من الواضح بالفعل أن بعض النفقات الرأسمالية في ميزانيات Budgets الشركات النفطية قد تم تقليصها بالفعل بصورة كبيرة, كما أن المشاريع الحالية هي الأخرى تعاني التأخير. إن هذه التأثيرات السلبية المستمرة في توقعات مستوى الإنتاج النفطي، هي حاليا غير مؤثرة بصورة كبيرة في أسواق النفط العالمية لعامي 2009 و2010، حيث ينصب التركيز حاليا على انهيار الطلب Demand العالمي على النفط والوضع الاقتصادي العام, حيث يشير معظم الدراسات إلى أن الطلب العالمي على النفط في عام 2009 من المتوقع أن ينخفض انخفاضا حادا ما بين 1.0 و1.5 مليون برميل يوميا عن العام السابق، أما في عام 2010، تشير معظم توقعات المحللين إلى أن الطلب على النفط سينتعش، ولكن بصورة بسيطة، حيث من المتوقع أن يزداد بحدود 0.5 مليون برميل يوميا أو أكثر بقليل عن 2009. في الوقت نفسه الذي فيه الطلب العالمي على النفط ينهار، يشير معظم الدراسات والتحاليل إلى أن الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط Non-OPEC, من المتوقع أن ترتفع عامي 2009 و2010، ولكن أقل مما كان متوقعا سابقا. على أساس هذين الاتجاهين - انخفاض الطلب وارتفاع الإمدادات من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط، على الرغم من أنه أقل مما كان متوقعا سابقا، كان له أثر سلبي في أسعار النفط – نتيجة لذلك كان رد فعل منظمة "أوبك" خفض الإنتاج بصورة كبيرة جدا من أجل دعم الأسعار. هذا وسيتم في المقالات اللاحقة استعراض التوقعات المستقبلية للعامين المقبلين للإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط بتفصيل أكثر.
إنشرها