ملاحظات المجتمع على أداء هيئة الأمر بالمعروف .. قراءة متأنية (3 من 3)

تحدثت في المقالين السابقين عن فرص العمل التي يرى المجتمع أن الهيئة تتسبب في حرمان المرأة منها, بينما هي الأحق بها, لأنها تبعدها عن مظان السوء, وينشأ بسبب الوضع القائم علاقات منحرفة جراء انزلاق المرأة تحت تأثير الحاجة الشديدة, للاستجابة للمغريات والمغويات التي تحاصرها من كل جانب, ومثلت بما يحصل في ظل قيام الرجل ببيع مستلزمات المرأة الخاصة, وما يصاحب ذلك من احتكاك وملامسة وتحرش. وحتى لا يزايد علي أحد في صدق نيتي وإخلاصي فيما أقول, تحدثت عن أهمية دور الهيئة لحماية المجتمع والأخلاق, وتعاظم هذا الدور مع تضاؤل دور الأسرة والمدرسة والإعلام, وتحول المجتمع إلى آكل ومأكول, بعيدا عن أخلاقيات التعامل التي جاء بها الإسلام.
واليوم أستعرض علاقة الهيئة بالمجتمع, وما يؤثر في هذه العلاقة, وأقول إنه ليس ثمة مقارنة بين إيجابيات الهيئة والسلبيات المنسوبة إليها, فالسلبيات قليلة, مقارنة بالإيجابيات, بيد أن وجود أعداء للهيئة يسهم في سرعة انتشار السلبيات واستقرارها في أذهان الناس, ويجعلها, في أحيان كثيرة, تطغى على الإيجابيات, ولا يتبقى إلا الأثر الذي تتركه في نفوس الناس, فالناس مهما كانت منزلتهم الاجتماعية والعرقية, علوا أو دنوا, لا يرضون المهانة, أو اتهامهم بما ليس فيهم, أو التشكيك في عقائدهم من قبل كائن من كان, حتى من هو محل تهمة لا يسوغ التعامل معه كمذنب حتى تثبت إدانته شرعا. وغني عن التنويه أن الحسنات يذهبن السيئات, لكن هذا في حساب الآخرة, أما في عرف الناس, ومن منظورهم للهيئة, فإن السيئات يمكن أن يذهبن الحسنات, كما هو مشاهد, فلو أن شخصا يعمل كل أعمال الخير لكنه يتكبر على الناس أو يسيء الظن بهم فإن هذه الصفة كفيلة بمحو أعماله الحسنة من أذهان الناس, ولا يتبقى إلا ما يمس كرامتهم.

الظن السيئ هو الغالب
عرف عن بعض أعضاء الهيئة أنهم يقدمون الظن السيئ في نظرتهم إلى المجتمع, فهم يظنون أن الفساد ملازم للأماكن التي يختلط فيها الناس, كالأسواق والمطاعم ودور العرض, وأن وجود المرأة مع الرجل في السيارة أو المطعم أو المركز التجاري يثير الريبة حول العلاقة التي تجمعهما, وأن مجرد وجود هذه الريبة كاف للتأكد من مشروعية العلاقة, أيا كان أسلوب التأكد, حتى لو كان المطاردة أو الاستجواب, فإن قاد ذلك إلى يقين, فذلك هو الصيد الثمين, وإن لم, فليس على القابض لائمة, ومن تعرض للإهانة عليه أن يبلعها في كبريائه, أو يضرب رأسه بالحائط, هذا إذا لم ينته الأمر بمحضر يكون هو فيه الحلقة الأضعف. وحتى أمثل أقول إنه ربما تكون تلك الحالة المتداولة التي تعرض فيها زوجان لمساءلة من نوع ما هو لون الثلاجة أو غرفة النوم, هي الوحيدة, لكن تأثيرها بقي مجالا للتندر والسخرية, وطغى على أعمال جليلة تقوم بها الهيئة.

الهيئة دائما على حق
الأمر الآخر أنه يؤخذ على الهيئة انتصارها لأعضائها في كل حال, حتى من يكون منهم على خطأ, فهم مجتهدون, وخطأ المجتهد مردود, وحتى من كان خطؤه واضحا بشهود العيان, مثل مطاردة رجل وامرأة في السيارة تنتهي بحادث يودي بحياتيهما, أو مثل حادثة الحريصي الذي مات بسبب ضربه بالأحذية على رأسه, وينتهي الحكم فيها ببراءة منسوبي الهيئة من دمه, للحيثيات التي ساقها ناظر القضية, ومفادها أن الرأس ليس بمقتل والحذاء ليس أداة قتل! ومثل هذه الملحوظات على الهيئة تجعل المجتمع يحمل في نفسه عتبا عليها, ويتهمها بالانحياز لأعضائها على حساب العدالة، في حين أن أعضاءها بشر، معرضون للخطأ مثل غيرهم.

الهيئة توقع العقوبة مقدما
الملاحظ أيضا أن الهيئة كثيرا ما تعجل العقوبة للمتهم، وهناك حالات كثيرة اشتكى منها أصحابها من تعرضهم للضرب والإهانة والحبس لمجرد الشبهة، ثم لا يثبت عليهم شيء! وكأن تعجيل العقوبة يأتي إما انتقاما مغلفا بالغيرة على الدين، وإما كردة فعل سريعة من القابضين لا يملكون معها زمام أعصابهم، وإما تحوطا من عدم ثبوت التهمة فيكون القابض قد شفى غليله من (المجرم) الذي أمامه!
ورغم أن الهيئة لا يتعدى دورها الضبط فيما يتصل باختصاصها، ثم التسليم للجهة المختصة نظاما، وليس من حقها التحقيق أو توقيع أي عقوبة، حتى الشفهية منها، إلا أنه يبدو أن بعض الممارسات تتم في غياب أو تجاهل تام لما تنص عليه الأنظمة التي وضعتها الدولة لحماية الحقوق، كالنظام الأساس للحكم، ونظام الإجراءات الجزائية، والاتفاقيات التي وقعتها في مجال حماية الحريات، وحقوق الإنسان.

اختلاف المعاملة بين المناطق
من الملاحظات ما يتصل بمسألة الاختلاف في التعامل والتفريق بين ما يسمح وما لا يسمح، في الأسواق والمطاعم، ففي حين لا يسمح بالأجواء المفتوحة في المطاعم المخصصة للعائلات، في مدينة الرياض مثلا، والتشديد على العزلة، وإحاطة الطاولات بحواجز ضيقة لا ينفذ من خلالها الهواء، نجد الصورة مختلفة في مدن أخرى مثل جدة والخبر، في حين أننا في بلد واحد، يعمل بأنظمة موحدة، ووفق شريعة واحدة. وأذكر أنني كنت مرة مع زوجتي في أحد المطاعم في الرياض، فوجدت الطاولة محاطة بحاجز شراعي سميك، وأن النادل لا يدخل إلا بعد الاستئذان، فأوحى لي الوضع بأن مثل هذا المكان هو أنسب مكان لممارسة الأفعال التي نظن أننا، بهذا الوضع، نحول دونها، فلا أحد يرى ولا أحد يسمع! كما كنت مرة أخرى مع زوجتي في أحد المراكز التجارية في المنطقة الشرقية، وتوقفنا عند محل للقهوة، لأخذ فنجانين منها، وسمعنا المؤذن يؤذن للصلاة، وحتى يمكننا أخذ القهوة في المكان أو خارجه سألت البائع: هل تغلقون المقهى وقت الصلاة؟ فأجاب بالنفي! وغير بعيد عنا حادثة جامعة اليمامة، التي أقامت معرضا للتعريف بالجامعات البريطانية، واستقبال طلبات الراغبين في الدراسة، شارك فيه وفد قدم إلى المملكة بصفة رسمية، فقام منسوبو الهيئة بإخراج ممثلات الجامعات من المعرض، في حين أنه في اليوم التالي نقلت لنا الصور إقامة المعرض في مدينة جدة، على طبيعته، ورأينا الطلاب والطالبات جنبا إلى جنب، يملأون طلبات الالتحاق بالدراسة.

الهيئة تركز على الإحصاءات
يبدو أن الهيئة مهتمة بموضوع الإحصاءات التي تتناول الوقوعات التي تحصل في مجال عملها، مهما كان موضوع تلك الوقوعات، وأنها تحرص على التسجيل وتحرير محاضر وتعهدات، حتى لبعض الحالات التي لا تستحق الذكر، تتضمن تعهدات بالالتزام بأمور ربما لم يقع ما يخالفها، وقد شكا كثيرون من تعرضهم لضغوط يضطرون معها للاستجابة لتوقيع تعهدات، من أجل الخلاص، لا يرون أنهم ملزمون بها، ويصبح نتيجتها الطالب مطلوبا، وقد بدا الأمر وكأن هناك تسابقا بين فروع الهيئة على إحراز العدد الأكبر من الوقوعات، ليكون ذلك أحد المعايير التي ينظر إليها لقياس الأداء، وقد كان واضحا اهتمام الهيئة بهذا الشأن في تقاريرها التي ترفعها إلى مجلس الشورى، وما ينشر من قبلها في الصحف أحيانا. والحقيقة أن هذا الهدف قد يدفع بعض الفروع إلى محاولة جمع وتسجيل أقصى ما يمكن من وقوعات، قد يدخل فيها أمور لا تستحق التسجيل، ومن ثم يكون ذلك مثار ملاحظة وانتقاد للهيئة يحسن بها أن تتجنبه.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي