الملك عبد الله والصدمة الحضارية العربية

مجرد التفكير في موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت الاقتصادية يجعل الإنسان السوي وغير السوي من السعوديين والعرب والمسلمين والمحبين للسلام في كل أنحاء العالم يقفون احتراما وتقديرا لذلك الموقف الشهم الصادق الذي لا يصدر إلا من القيادات المخلصة التي لا تسعى لشهرة أو جاه ولا يقف خلفها أصحاب الهوى والمصالح الذاتية ممن يعيشون ويقتاتون على جثث شعوبهم وأرزاقهم.
القيادات العربية تلتقي في قمة الكويت وهم يعيشون قمة شتاتهم وفرقتهم وحربهم المعلنة وغير المعلنة مستغلين القضية الفلسطينية سببا لهذه الفرقة وتلك الحروب, كل يدعي الوقوف مع القضية والواقع أن كلا يحاول استغلالها لجاه أو مال أو سلطة أو وصول لهدف.
لهذا جاءت الكلمات السابقة لكلمة خادم الحرمين يحفظه الله لتعبر عن ذلك الشعور والإحساس وتبرير المواقف والدفاع عنها بالصوت الصاخب والنظرة الحادة والشموخ المعوج وفي المقابل كل أو أغلب المحللين السياسيين والاقتصاديين يراهنون على أنها قمة الفوضى العربية وأنها كما هي عادة كل القمم العربية الرئيسية والاستثنائية والخاصة والعامة اجتماع للتنفيس واستعراض العضلات أمام شعوبهم بحيث تبدأ كل قناة رسمية أو تابعة لتلك الدولة تمجيد كلمة رئيسها أو ممثله وفي المقابل القنوات المعارضة تتصيد الأخطاء والهمزات واللمزات ومع انتشار القنوات الفضائية أصبح الوضع أكثر إضحاكا مع شدة الألم لما وصل إليه الجميع من انحطاط في السلوك السياسي والاقتصادي ومع أن جميع سكان الأرض يتابعون تلك القنوات إلا أن الخطاب العربي بقي كما هو, صراخ وتهديد دون تقديم حل واحد يمكن الاستناد إليه, وأصبحت الخطابات العربية كما هي عليه من السابق تستعمل ضدنا كعرب وليس لمصلحتنا, ولهذا كان المتابع للكلمات التي ألقيت خلال مؤتمر الكويت وقبل كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز يحفظه الله لا يجد فيها جديدا سوى مواقف مقررة مسبقا مهما كانت المواقف الأخرى.
المحللون العرب على أغلب القنوات الفضائية لم يكونوا بعيدين عن حال القيادات العربية من حيث تشنج المواقف والاتهامات المتبادلة مع المعارضين, بل كان الوضع أسوأ من حيث الطرح وارتفاع نسبة التشاؤم, خصوصا أن الجميع ما زالوا تحت تأثير قمة الدوحة وما حدث فيها وأن قمة الكويت هي مرحلة الوصول للانحطاط الكامل.
جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يحفظه الله وموقفه مثل الصاعقة غير المتوقعة, خصوصا أنها لم تكن ضمن الكلمات المدرجة وعندما أعطيت الكلمة لخادم الحرمين وقبل أن يبدأ كان تعليق أحد المحللين السياسيين يحمل كل ألوان التشاؤم والاتهام حتى إنه قبل الكلمة كان يحاول أن يؤكد أن المملكة العربية السعودية هي من الدول التي تقف في وجه التضامن العربي, وأنه لا يتوقع موقفا جديدا للمملكة في هذه الأزمة, ووقف الجميع من مقدم للبرنامج ومحللين للاستماع إلى كلمة خادم الحرمين الشريفين وبانتهاء الكلمة عادت الكاميرا إلى المحلل السياسي وكان في موقف لا يحسد عليه أو ربما يحسد عليه في الواقع.
المحلل السياسي قال دون تأثير من مقدم البرنامج أو أحد المشاركين إن موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز وكلمته شلت تفكيره وأن هذا الموقف هو ما يجب الأخذ به واحترامه واحترام صدق وصراحة الملك عبد الله وإنه هو الرمز الحقيقي للقائد العربي الصادق, المحلل وفي لحظة صدق مع الذات وردة فعل طبيعية لموقف ملكي عظيم لم يجد ما يقول إلا الحقيقة, هذه الحقيقة التي جعلته يقدر للملك عبد الله هذا الموقف العربي المتميز دون تهريج أو تجريح لأحد من الحضور وإنما كلمة صادقة من قائد صادق ومن قلب رجل مؤمن بأهمية اللحمة العربية والتضامن العربي والموقف العربي الواحد الموحد, تحول الحوار في تلك القناة إلى حوار إيجابي وصادق عن موقف الملك الصادق وقد أكد المحلل ومن معه أن الملك عبد الله وضع النقاط على الحروف وأن كلمته يحفظه الله وثيقة حقيقية لحقبة قادمة, وكان تقدير الجميع لموقف الملك عبد الله عظيما مع تقديرهم للدعم المالي المؤثر في إعادة إعمار قطاع غزة.
كان التحليل السياسي في هذه القناة ولأول مرة تحليلا لم يتعرض لأي ضغوط سياسية أو مواقف شخصية أو مصالح وحسابات ذاتية لأنه فعل وردة فعل لم يكن مرتبا لها أو معدا لها, حقيقة إن الصدمة على معد الحوار كانت صعبة واتضحت على وجهه لأنه فقد القدرة على التأثير السلبي في المحللين, خصوصاً أنه قد استعان بهم لهدف نقد مواقف المملكة وأعد لذلك كل العدة ولكن كلمة خادم الحرمين الشريفين المفاجئة والصاعقة والصادقة جعلته يعجز عن إقناع المحللين بالاستمرار في نقد المملكة وهو الهدف الذي حضروا من أجله, ولهذا فإنني أتحدى تلك القناة أن تعيد ذلك الحوار قبل كلمة خادم الحرمين الشريفين وبعدها, لأنه حوار أوضح الحقيقة وردة الفعل الصادقة الطبيعية التي لم تتأثر بالمواقف الشخصية أو التحضير المسبق أو الشحن غير الأخلاقي.
إن كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يحفظه الله جاءت مختصرة ومباشرة وصادقة وواضحة ومحددة الإطار والنظرة لما يجب أن يكون عليه العرب إذا أرادوا أن يحافظوا على كيانهم الضعيف وعلاقاتهم المهترئة والكلمة موقف واضح في علاقة المملكة بالجميع عربا وغربا وأنها لن تضيع مصالحها ومستقبلها في صراعات لا طائل منها.
إن الحكمة التي يجب تعلمها من كلمة خادم الحرمين الشريفين أن الوضع الراهن لا يقبل القسمة على اثنين بمعنى أن يضيع الإنسان منا وقته وجهده مع شركاء متشاكسين وجهد وقضية غير منتجة ولهذا فإن موقف المملكة أصبح واضحا إما التضامن العربي السليم أو ترك المزايدات على موقف المملكة وتفرغها لتطوير ذاتها بعيداً عن القوميات والإقليميات والمنازعات التي لا طائل منها وتقديم النموذج السعودي للعالم أجمع على أنه النموذج الذي يمكن الاقتداء به والاستفادة منه, وفق الله الجهود المباركة لخدمة هذا البلد الحبيب.

وقفة تأمل:
"إن لله عبادا فطنا طلّقوا الدنيا وعافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي