صندوق الاستثمارات .. خطوة لا بد من تالية

في خبر نشرته جريدة "الاقتصادية" الأربعاء الماضي الموافق 28/1/2009, قرر صندوق الاستثمارات العامة في السعودية تعديل السياسة الإقراضية للصندوق برفع السقف المحدد سابقا لإجمالي القرض الذي يقدمه الصندوق من نسبة 30 في المائة إلى 40 في المائة من تكلفة المشروع المقترض. كما تضمن التعديل زيادة مدة تسديد القرض من 15 سنة إلى 20 سنة شاملة فترة سماح قدرها خمس سنوات، على أن تخضع تلك الترتيبات للمراجعة والتقويم خلال عامين من الآن في ضوء تطورات الأسواق المالية محليا وعالميا.
تلك الخطوة تستحق الإشادة إذ جاءت في ظروف تشكو فيها السوق من شح مصادر التمويل سواء على المستويين المحلي أو العالمي ما قد يفرض على كثير من المشاريع الصناعية وغيرها من مشاريع استراتيجية أخرى التأجيل وما يترتب على ذلك من خسائر وإضاعة فرص بات الاقتصاد الوطني في أمس الحاجة إليها. ذلك أن جل تلك المشاريع بطبيعتها يتطلب تنفيذها فترات طويلة نظرا لضخامة أحجامها، فإذا أضيفت إلى تلك الفترات سنوات من التعليق بسبب الأحوال المالية نكون قد فوتنا على المجتمع مداخيل ووظائف يتطلع الجميع إليها بفارغ الصبر. ليس ذلك فحسب بل إن أضرار التأجيل ستطول المئات من المشاريع الأخرى من متوسطة وصغيرة التي تعتمد في مدخلاتها أو مخرجاتها على تلك المشاريع الكبرى. أي أن السلسلة مترابطة ما يوجب علاجها من حلقتها الأولى، وذلك ما استهدفه قرار الصندوق.
لكن الظروف المالية والاقتصادية الاستثنائية التي يعيشها العالم اليوم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، لا تقتصر آثارها المباشرة على شح مصادر التمويل وما يعنيه ذلك من تعطيل بناء وتشغيل وسائل ووحدات جديدة للإنتاج، بل امتدت تلك الآثار إلى المشاريع القائمة ولاسيما في مجال الصناعة البتروكيماوية التي منيت بخسائر جسيمة قد تؤدي إلى إلحاق أضرار بها ربما لن تنهض منها لسنوات طويلة. من كان يدور بخلده مثلا قبل أن تعلن شركة سابك نتائج ربعها الأخير أن عملاقا مثلها يناله ما نالها من انهيار في الأرباح مقارنة بأدائها في ربعها السابق على رغم قصر الفترة التي تفصل بين الربعين. وقد عمدت إلى الاستشهاد بـ "سابك" لما تتمتع به من قاعدة منتجات متنوعة، شبكة تسويق عالمية، تكلفة إنتاج منافسة سواء من جانب المواد اللقيم (الخام) أو استهلاكات المعدات والمنشآت. ولعلنا نقيس على مثال "سابك" مدى المصاعب التي تعيشها الشركات الأخرى وبالذات التي ما زالت في مراحلها الأولى وما ينتظرها من مخاطر خلال الأعوام القليلة المقبلة إلى أن يتعافى الاقتصاد العالمي. تلك المصاعب تعصف بكثير من الاستثمارات القائمة حاليا إن لم تمد لها يد المساعدة من الآن.
لقد تنبهت المملكة في الوقت المناسب إلى المخاطر التي بدأت تستفحل في الأسواق من ركود وإفلاس لمؤسسات مالية عالمية وغيرها، ومن ثم بادرت إلى خطوات وقائية جيدة أقرها المجلس الاقتصادي الأعلى في اجتماعه المنعقد بتاريخ 16/10/1429 هـ (16/10م2008م) بالتوكيد على ضمان سلامة الودائع المالية، توفير السيولة للبنوك المحلية، والاستعداد لخفض نسبة الاحتياطي وخفض تكاليف التمويل إذا دعت الحاجة. ثم أعقب تلك التوكيدات اجتماع مجلس الوزراء في ذلك الأسبوع وما صدر عنه من أن "المملكة عازمة ـ بإذن الله ـ على الاستمرار في اعتماد مشاريع البنى التحتية وكل ما من شأنه زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد السعودي وتوفير بيئة آمنة لمزيد من الاستثمار فيه".
في ذلك السياق نتطلع إلى خطوات أخرى من صندوق الاستثمارات العامة مكملة لما أعلنه بزيادة نسبة القروض ومدتها. تلك الخطوات التي ننشدها هي لدعم المشاريع الصناعية القائمة لتجاوز المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم إلى أن تعود المؤشرات المالية والاقتصادية محليا وعالميا إلى مساراتها الطبيعية. إذ قد يرى الصندوق عدم قصر الترتيبات الجديدة على القروض المقبلة فقط، بل تشمل أيضا القروض القائمة, ولا سيما منحها فترة سماح للتسديد خلال السنوات الخمس المقبلة. ولعل ذلك التوجه الذي يقوده وزير المالية لمساعدة المشاريع الصناعية يمتد أيضا إلى القروض التي يمنحها صندوق التنمية الصناعية، بأن يبادر الصندوق إلى تقديم تسهيلات استثنائية مماثلة.
ثم هناك آلية أخرى قد يرى صندوق الاستثمارات العامة تفعيلها لمساندة الشركات الصناعية التي يمتلك حصصا فيها، وهي في مجملها ملكيات مؤثرة في السواد الأعظم من الشركات المدرجة في السوق يجني الصندوق من خلالها مبالغ كبيرة على هيئة أرباح قد تصل إلى أكثر من 15 مليار ريال سنويا . ذلك أنه يمكن للصندوق أن يبرم اتفاقا مع تلك الشركات بتأجيل دفع مستحقاته من الأرباح (وليس التنازل عنها) لأجل مسمى وليكن لعامين أو ثلاثة على سبيل المثال, أي إلى أن تستعيد الأسواق عافيتها.
الشاهد هنا أن النتائج المالية الأخيرة للشركات الصناعية تنبئ عن حاجتها إلى مساعدة من الحكومة لتجاوز الظروف الاستثنائية الجارية، وهناك آليات متاحة لتقديم تلك المساعدة, منها ما بدأت بالفعل والأخرى نأمل أن تكون في الطريق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي