جامعة الإمام تسير إلى الأمام نحو الجودة

عندما ظهرت النتائج المتواضعة لأداء مؤسساتنا الأكاديمية قبل عدة سنوات انتابنا الفزع وظللنا نبحث عن أسباب هذا الإخفاق وقد توقعنا أن جامعاتنا لن تقوم لها قائمة لأنها كانت بالفعل بعيدة عن التقاليد والأعراف الجامعية. كما أن فكرنا الإداري لا يعترف بالفشل والإخفاق وينظر إليه على أنه عيب وقدح وهذا غير صحيح فالإخفاق سمة مشتركة للمنظمات والهيئات، المهم الاعتراف به وعدم الاستمرار والتعنت في السير قدما إلى نهاية طريق مغلق. يقول ريتشارد كارلتون المدير التنفيذي السابق لمؤسسة 3M "لقد تعثرت شركتنا في بعض منتجاتها، ولكن لا تنسوا أن الذين يتعثرون هم فقط الذين يتحركون"، وقد أبرز المدير التنفيذي لشركة جونسون آند جونسون عام 1954 شعار جديدا لمؤسسته يتمثل في "الفشل أهم منتجاتنا" يقصد الفشل الذي يقود إلى النجاح والتألق.
وفي هذا المقال نريد أن نزف للرأي العام أن بعض جامعاتنا تخطت مرحلة الخطر وبدأت تتجه بسرعة مذهلة نحو الجودة ومن أبرزها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي تسير بصمت وبخطا ثابتة وواثقة نحو تحقيق معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي. وحتى يكون نقاشنا موضوعيا وذا قيمة ونخرج من الاجتهادات، والظنون، وسوء التفسير، سوف نخضع آراءنا لنتائج الأبحاث والدراسات المحكمة. من أبرز الدراسات الميدانية في هذا المجال بحث نشر عام 2008 في مجلة "مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي" بعنوان "دراسة مدى إمكانية تطبيق نموذج Kanji لإدارة الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم العالي - بالتطبيق على جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية".
وبما أن هذا النموذج إداري وليس استراتيجيا فإنه يحتوي على أربعة مبادئ داخلية أساسية تسمى عوامل النجاح الحيوية لتطوير وتحسين جودة الخدمات التي تقدمها مؤسسات التعليم العالي وتشمل: رضا العملاء، الإدارة بالحقائق، الأفراد هم أساس الإدارة، التطوير المستمر وكل عامل يحتوي على عدة عوامل فرعية وهذه جميعها تقود إلى ما يسمى بـ "امتياز الأعمال" الذي يوصل في النهاية إلى تحقيق معايير الجودة الشاملة والاعتماد الأكاديمي. عندما تم قياس أداء جامعة الإمام وفقا لمبادئ هذا النموذج تبين أن المتوسط العام الإجمالي لمتغيرات جميع مبادئ النموذج كان أعلى من المتوسط المتوقع، وهذا إنجاز هائل خصوصا أن الجامعة حديثة عهد بالمعايير العالمية للجودة. وحتى لا ندخل في المصطلحات العلمية المتخصصة سوف نركز نقاشنا في معرفة الأسباب التي أوصلت الجامعة إلى هذا المستوى المتميز، والتصحيح السريع، والقفزة الهائلة:
1- يبدو أن جامعة الإمام لديها رسالة واضحة وراسخة لم تخرج عنها منذ إنشائها إلا أن المتعاملين الخارجيين يعانون صعوبة في فهمها. صياغة الرسالة في عبارات تحفيزية مهم جدا إلا أن الأهم تلقينها والإيمان بها والمحافظة عليها وهذا ما يحدث في جامعة الإمام. كما أن القيادات الأكاديمية السابقة والحالية لم تُحاول فصل الجامعة عن رسالتها لأنهم تربوا وتشربوا مبادئ وقيم وأعراف الجامعة. المنظمات التي تجذرت رسالتها لا يستطيع القياديون أو حتى المؤسسون أن يخرجوا المنظمة عن رسالتها لأنهم يعلمون أنهم سيخوضون صراعا مريرا مع عقيدة المنظمة ينتهي عادة بطرد المناهضين للعقيدة. وقد حدث هذا بالفعل عندما قامت شركة "جنرال موتور" بقذف مؤسسها "ويليام ديورانت " خارج الشركة لمدة عشر سنوات لأنه حاول أن يتعدى على قيمها الجوهرية المتمثلة في الرسالة.
2- هذه القفزة الهائلة للجامعة قد ترجع إلى الولاء والانتماء فقد تبين من نتائج البحث أن معدل ولاء المستقصي منهم (أعضاء هيئة التدريس) مرتفع وهذا يرجع إلى سببين إما أن الجامعة تدرك أهمية عضو هيئة التدريس وأنه هو حجر الزاوية والمحرك الأساس للعملية الأكاديمية، فقدرتهم ووقرتهم فقايضوها بالولاء الذي يقود إلى الإخلاص، وإما أن الجامعة تتبنى نموذج المنظمة الرائدة و ليس مبدأ القائد الفذ.
3- قامت الجامعة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي باستقطاب عدد من علماء الدول المجاورة، اضطرتهم خلافاتهم مع بلدانهم إلى الهجرة. وقد استقطبتهم بعض الجامعات السعودية وفي مقدمتها جامعة الإمام حيث كانت من أكثر المؤسسات الأكاديمية السعودية إفادة منهم، وقد كانوا بالفعل علماء في بلادهم وليسوا أساتذة يشغلون وظائف أكاديمية كما نحن عليه الآن. هذه الكوكبة أسهمت في بناء الأعراف والتقاليد لجامعة الإمام والتي لا تزال شامخة إلى الآن.
هذه بعض الأسباب التي أرى أنها وراء تفوق جامعة الإمام في مجال الجودة والاعتماد الأكاديمي وهناك أسباب أخرى لا يتسع المكان لمناقشتها مثل نظام الحوافز، واكتمال البنية التحتية، والتدريب وغيرها. ونتيجة قربي أكاديميا من معايير الجودة في المؤسسات الأكاديمية فإن غالبية الدراسات التي نشرت أخيرا تثبت أن جامعة الإمام في طليعة الجامعات السعودية تطبيقا لمعايير الجودة الشاملة إلا أن عدم إظهار ذلك إعلاميا أخفى هذا الإنجاز الوطني الشامخ. ورغم هذه النتائج المبهرة لجامعتنا العريقة إلا أن هناك ثغرات تم رصدها في شكل توصيات وآليات سوف نذكر بعضا منها في فرص قادمة - إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي