فأما الزبد فيذهب جفاء!

"يلتفت المجتمع إلى رواده ومثقفيه ليجد القيادة الحقيقية للفكر والرأي، ولذلك فإن الحوار كهدف مجتمعي يجب أن يبدأ من محاضن الثقافة وأندية الأدب و التعليم ومن البيت قبل ذلك"، هذه الفكرة الأساسية التي أجمع عليها كتاب هذه الزاوية .
لنتأمل معا هذا الموقف:
"مثقفان" يجلسان على طاولة واحدة أمام مجمع من الحاضرين في مجمع "ثقافي" ، ويتراشقان الاتهامات المغلوطة والكلمات التي لا ترقى إلى مستوى المجلس، قرر أحد الحاضرين أن يساهم بمداخلة حول القضية محل النزاع، لتتحول سهام "النقد" إليه، ويتحد "المثقفان" ضده بالأسلوب نفسه المتبع في حوارهما قبل لحظات.
كيف يتعلم الجيل بل والمجتمع كله أن الحوار مبني على احترام الأطراف المتنازعة لبعضها، بل كيف يفهم أن الحوار أسلوب حضاري لنقل الأفكار، في وقت يقف فيه اثنان من "المثقفين" موقف الضد من بعضهما دون احترام لأنفسهما فضلا عن احترام الحاضرين؟!
ولذلك فأنا أعتقد أن الحوار يجب أن يكون "فضيلة" ومحمدة يحرص عليها المجتمع كله، بدلا من أن نرمي بالمسؤولية على عاتق المؤسسات التعليمية والمثقفين والعلماء، لأن هؤلاء بشر يتأثرون سلبا و إيجابا بالمواقف التي يكونون فيها، كما أنها مسؤولية كبيرة ومشتركة بين الجميع مهما كانت مواقعهم أو مستوياتهم الفكرية، ولن يكون ذلك إلا إذا كان الحوار هدفا تنمويا للمجتمع بأكمله.
المشكلة أننا لم نفهم حتى الآن أهمية التنمية الفكرية، وكيف أن العالم كله متوجه إلى الاستثمار في الأفكار والعلم والمعرفة، بعد أن أكد عصر الاستثمار المادي أنه معرض للخسارة.
والجميل في استثمارنا الثقافي، أنه مضمون الأرباح 100 في المائة فلا حاجة إلى دراسات جدوى إلا في حالة رغبتنا في أن نزيد الأرباح فقط.
أدعو إلى الاهتمام بالندوات الفكرية والحوارية، والنقاشات العلمية ونفرد لها مساحتها من الحرية لنصل إلى النتائج التي نريد، وليست النجاحات التي حققتها الصالونات الثقافية ببعيدة عنا، إذ فتحت للمجتمع المدني بوابة حرة للنقاش والتواصل.
كما أن وسائل الإعلام بشتى اتجاهاتها بحاجة إلى نشر ثقافة الحوار الحقيقية، دون أن يكون الحوار المنشور أو المذاع صورة لتوجهات الإعلاميين فقط، المشكلة أننا – أحيانا- نخشى وجهات النظر المخالفة لدرجة أننا لا نتيح لها الفرصة للتعبير عما يدور في دواخلها، وأنا أؤمن بأن المجتمع أصبح قادرا على الحكم على الأفكار المطروحة، لسبب مهم أن نسبة المتعلمين في المملكة تجاوزت 70 في المائة من مجموع السكان.
وقد لاح مغيب شمس احتكار الثقافة في عصرنا الحالي، ولم يبق هناك أي سبب يدعونا للاختفاء تحت قبعة الحذر غير المبرر، فالأفكار المتداولة في مجتمع المملكة الافتراضي تنبئ بأن الوضع قد تغير عن السابق كثيرا، ولا يشعر بذلك أحد كما يشعر به المعلمون والإعلاميون اللذان يتشاركان جذرا لغويا واحدا وهو الـ"علم".
ولا شك عندي أن الجانب السلبي من المتحاورين سينسحب في الأخير مصداقا لقول الله تعالى:
(فأما الزبد فيذهب جفاء .. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي