هل يتحرر الاقتصاد من سلطة السياسة؟

تختم القمة الاقتصادية الأولى أعمالها اليوم في الكويت في وقت يزداد فيه الانقسام العربي مما شجع تركيا على أخذ زمام مبادرة لمحاولة تجسير الانقسامات التي قوضت الجهود العربية للتأثير في الوضع الفلسطيني المشتعل تحت محرقة الآلة العسكرية الإسرائيلية.
فالعرب والمسلمون يبدو أنهم لم يفهموا مقاصد ومعاني قول الله سبحانه وتعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) (بعضهم أولياء بعض)، انكشفت واتضحت مواقف هؤلاء القوم من خلال جلسات مجلس الأمن الأخيرة التي أجبرت الأمير سعود الفيصل رئيس الجبهة العربية على تهديد مجلس الأمن حينما كان يتلكأ في إصدار قرار بوقف إطلاق نار فوري على غزة بقوله "إذا لم يتعامل مجلس الأمن بجدية مع قضايانا، فسندير ظهورنا له ونتوجه لخيارات تفرض نفسها". رغم ذلك لم يتوقف ورثة قتلة الأنبياء عن إطلاق النار وهم لن يتورعوا عن فعل أي شيء سواء قتل للأطفال والنساء والشيوخ حتى الحجر والشجر لم يسلم منهم وهم الذين ضربت عليهم الذلة إلى يوم القيامة بسبب أعمالهم المخالفة لأوامر الله من قسوة وتجبر، بل كانت مواقفهم غير متورعة مع الله سبحانه وتعالى حينما قالت اليهود (إن الله فقير ونحن أغنياء) (وقالت اليهود يد الله مغلولة)، وإن كان القرآن لم يساو بينهم جميعا مساواة تامة (ليسوا سواء) لذلك نجد أكثر من 100 مؤسسة غير حكومية في فرنسا وحدها استنكرت الهجوم الإسرائيلي على غزة وقالت إنها ترتكب جرائم حرب، مخالفة بذلك مواقف حكومتها التي كانت السبب الرئيسي في الوقوف ضد إصدار قرار إيقاف فوري للنار في مجلس الأمن.
ومن سنن الله التدافع (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) لدفع الفساد والظلم الذي ترتكبه فئات من البشرية لتحقيق الاستقرار على الأرض.
وتحاول إسرائيل جاهدة تصفية القضية الفلسطينية التي حرمتهم من التمدد السياسي والاقتصادي في المنطقة والعالم، بل تستهدف إسرائيل الآن الوضع القومي (الحاضنة العربية) التي استطاعت أن تفصلها عن (الحاضنة الإسلامية) والعمل على إسقاط النظام السياسي العربي من خلال ثورة شارع محبط وغاضب.
فاللعبة الدولية تتجه إلى تحييد الجهاديات الحربية التي برزت وظهرت نتيجة غياب استراتيجية عربية إسلامية موحدة.
وحروب القرن الواحد والعشرين تتجه نحو حروب بين جيوش نظامية وأشباح تظهر وتختفي، تقاتل وتختبئ، فأمريكا انتصرت على طالبان وجيش صدام النظامي في أيام، ولكنها اندحرت وهزمت أمام المقاومة العراقية والطالبانية.
لكن يتساءل المواطن العربي والمسلم: لماذا أصبح العرب والمسلمون غير قادرين على مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية أو على أي عدوان آخر على العالم العربي والإسلامي؟ يمكن أن نجد الإجابة عن هذا السؤال في قول الله سبحانه وتعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله) ولا بد أن يدرك كل عربي ومسلم أن التسويات لا يمكن أن تأتي هدية، وإنما تأتي بعد تضحيات، وأن هذه التضحيات لا بد أن تكون متوازنة ومتوازية قد لا يفهمها العامة من الناس.
فالفترة الماضية أريقت خلالها دماء وسقط من أجلها ألوف الشهداء، ولكنها جاءت على حساب مشاريع التنمية التي تعطلت وجمدت تحت شعار لا صوت يعلو على صوت المعركة رغم أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالإعداد ولكن لم نحقق منه شيئا وكان اهتمامنا قاصرا لأنه كان اهتماما غير متوازن ومتواز في آن معا.
ومن خلال مشاركة كاتب هذه السطور بدراسة تحت عنوان (مدى نجاح نمو التجارة البينية العربية في ظل غياب استراتيجية مشتركة في عصر العولمة) في الملتقى الرابع للجغرافيين العرب في دولة المغرب في الفترة من 2 إلى 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 تحت رعاية ملك المغرب، عرضت الدراسة بعد الافتتاح مباشرة من ضمن 120 مشاركة، إذ أوضحت الدراسة أن التجارة في العالم العربي خف بريقها رغم الاتفاقيات التي عقدت في 1953 وإنشاء السوق العربية عام 1964، ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وبداية العمل بها كان عام 1998 ودخول الدول العربية 16 دولة بداية عام 2005 بالتطبيق الفعلي للتعرفة الصفرية، ورغم التطبيق الفعلي إلا أن الاتفاقية لا تشمل الخدمات كما هو الحال في الاتفاقيات الدولية مع وجود استثناءات كثيرة تقلل من فاعلية السوق ومن فاعلية التكامل، ومع غياب وتأخر قيام شركات عملاقة تكون قادرة على المنافسة ومواجهة الشركات العالمية الكبرى، ولا يزال المشككون يحتفظون بالحق في حماية المنتجات المحلية من المنافسة المثيلة.
أي أن السوق العربية المشتركة قوضتها نزاعات سياسية وبقاعدة صناعية بدائية، حتى أصبحت السوق العربية كتكتل هو الأكثر ركودا من بين الكتل التجارية في العالم ، وأصبح ناتج العالم العربي القومي من دون بترول أقل من 1 في المائة، رغم أن مساحته تبلغ نحو 10.2 في المائة، وسكانه 4.7 في المائة، أي أن هناك دولا نمت وتقدمت على حساب الوطن العربي، بينما لا يزال الوطن العربي يعتمد على دخله من المواد الخام علاوة على التفاوت الهائل في الدخل القومي الذي يصل لأكثر من 140 ضعفا بين دول العالم العربي، بسبب غياب التنسيق العربي المشترك، لأن المصالح القطرية لا تتحقق بشكل أفضل إلا ضمن إطار العمل المشترك ضمن المصالح القومية ولا سيما في عصر التكتلات الدولية والعولمة.
فهل ينتهي نزاع العلاقات السياسية بين الدول المتجاورة على التجارة في قمة الكويت الاقتصادية؟ فمثلا تجارة ليبيا البينية مع الجزائر ضعيفة جدا لكن كلتا الدولتين تجارتهما مع تونس جيدة، وكذلك الحال في تجارة المغرب مع سورية أفضل من تجارتها مع الجزائر، فهل تنتهي تلك النزاعات السياسية في قمة الكويت ويتحرر الاقتصاد من سلطة السياسة ؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي