ملك فوق الخلافات

في كلمته الضافية الرائعة أمام مؤتمر الكويت أدهش خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز القادة والساسة والمراقبين باتخاذه موقفا حاسما قاطعا إزاء جملة من القضايا صعد فيها فوق الخلافات العربية والتأزم الدولي والإقليمي إزاء الصراع في المنطقة وما مر به من أحداث كارثية دامية، فقد أثبت خادم الحرمين الشريفين، وعلى نحو انتزع كل التقدير وإلاعجاب بشجاعته وبصيرته وغيرته على مصير الأمة العربية وشعوبها، ولما أبداه من شفافية ووضع للأمور في نصابها تصريحا لا تلميحا بادئا بنفسه وبالمملكة بلدا فاتحا ذراعيه وقلبه للجميع من أجل لم شمل الصف العربي وفاعلية دوره ومحوريته ووزنه بين الأمم على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعلمية بعيدا عن كل ما سبق ورغما عنه.
كذلك أبدى خادم الحرمين الشريفين استعداده لتعليق العمل بمبادرة السلام العربية واضعا إسرائيل أمام خيار السلام أو الحرب في مواجهة غياب المبادرة أو جهود السعودية مع أشقائها لإحلال السلام الشامل العادل وواضعا في الوقت نفسه العالم، خصوصا الأطراف الفاعلة فيه، أمريكا والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة لتنهض بدورها الحقوقي في صيانة السلم العالمي وفي صدارته الأمن والسلم في منطقتنا العربية وما يقتضيه ذلك من تطبيق للمعاهدات والقرارات الدولية بشأن حق الشعب الفلسطيني في أرضه والعيش الكريم دون تهديد بالعنف أو التشريد أو الاحتلال ومعها وإلى جانبها الأراضي العربية المحتلة الأخرى.
وفي سبيل إعادة إعمار قطاع غزة ومحاولة رفع آثار الكارثة الإنسانية أعرب خادم الحرمين عن أسف السعودية لما تعرض له هذا القطاع من قصف وتدمير على أيدي الإسرائيليين على مدى الأسابيع الماضية وما نجم عنه من فقد الآلاف بيوتهم وانهيار البنى التحية ودور العبادة والمدارس والمستشفيات، ما يقتضي تمويلا ضخما عاجلا بادر خادم الحرمين إلى إعلان أن السعودية قررت وحدها الوفاء بنصف المبلغ المطلوب لإعمار هذا القطاع، وهو ما يوازي نحو مليار دولار هدية من الشعب السعودي لإخوانهم في غزة.
تلك حزمة من القرارات تتعدى كونها معنية بالصراع العربي ـ الإسرائيلي وتداعيات جرائم العدو وغطرسته في تفكيك أوصال السلطة الفلسطينية وتدمير المدن والقرى بما فيها غزة، إلى النظر لقرار تعليق مبادرة السلام العربية على أنه لا يعني وضعها على الرف وإنما تحذير لإسرائيل أن ترضخ للشرعية الدولية وإنذار لأن يتم إجبارها دوليا على ذلك وإلا فإن لكل حادث حديث، خصوصا وأجواء المصالحة العربية باتت مفتوحة منذ اللحظة التي أنهى فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كلمته وهدم جدار الشقاق، وبات من المأمول جدا أن ينهض النظام العربي لبناء آلياته واستراتيجياته لصياغة التقدم والسلام وإعمار ما تهدم ودمر من أوطان العروبة وفي مقدمتها قطاع غزة ويضمد الآثار الرهيبة للمجازر الجماعية التي نفذتها عصابات إجرامية.
هكذا، تثبت القيادة السعودية الحكيمة التي يقف على رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله أن المملكة العربية السعودية تبقى أبدا عند حسن ظن أمتها وشعوبها العربية حاضرة، شجاعة، مسؤولة في المواقف المصيرية، ودائما تسجل ثباتا وصمودا وإصرارا على لم شمل العرب إيمانا منها بأنهم أشقاء مهما اختلفوا، وتعمل على حشد الجهود والطاقات ما أمكن لصيانة الحقوق العربية والحفاظ على الاستقرار في المنطقة ومسيرة التنمية فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي