قمة تصفية النفوس وبناء المستقبل
اتفق مراقبون على أن القمة الاقتصادية العربية (قمة التضامن مع غزة) التي بدأت أمس في الكويت, وتختتم أعمالها اليوم ببيان ختامي و"إعلان الكويت"، كانت بمثابة قمة لـ "تصفية النفوس" وإعادة بناء البيت العربي من الداخل لمواجهة التحديات التي تعصف به في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. واستشهد المراقبون بهذا التوصيف الذي أطلقوه على القمة بنتائج خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي أعلن مبادرة للمصالحة العربية دون استثناء، وكان يعني هنا تحديدا، ما شاب العلاقة بين الرياض ودمشق في الفترة الأخيرة، ولم تمض ساعات كثيرة حيث كان أمير الكويت، العاهل الأردني والعاهل البحريني وأمير قطر والرئيس المصري والرئيس السوري في مقر إقامة الملك عبد الله في الكويت، حيث تمت المصالحة. إنها استجابة للخطاب التاريخي.
كذلك، لم تكن كلمة الزعماء أمس في افتتاح القمة إلا انعكاسا للتوجه الحقيقي نحو بناء المستقبل وتجاوز الخلافات، وكان ثمة اتفاق جلي على أن الوضع الفلسطيني لم يبلغ هذا الأمر ولم تذهب إسرائيل قدما في مشروعها الحربي إلا في ظل الانقسام العربي والانقسام الفلسطيني على وجه التحديد. القمة في ذا الجانب كشفت عن نية صادقة لإسعاف الفلسطينيين بصورة عاجلة، هنا يحضر إعلان خادم الحرمين الشريفين عن تبرع المملكة بمليار ريال لدعم إعمار غزة وكذلك الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت الذي أعلن تبرع بلاده بـ 500 مليون دولار.
دعت مصر والكويت في افتتاح القمة العربية إلى التمسك بمبادرة السلام العربية مع إسرائيل، فيما طالبت سورية بدعم المقاومة الفلسطينية وعدم التشكيك بشرعيتها واعتبار إسرائيل كيانا إرهابيا. وقال أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في كلمته الافتتاحية إن "المبادرة العربية للسلام التي اعتمدت وتكرر التأكيد عليها في عدة مؤتمرات قمة تمثل الأساس لموقفنا العربي الواضح".
وفي شأن العدوان الإسرائيلي على غزة، قال أمير الكويت إن حجم هذا العدوان وضراوته والأسلحة والقذائف المحرمة دوليا التي استخدمت فيها والمواقع التي استهدفها وعدم الاكتراث بتضخم أعداد القتلى والجرحى والمشردين والتدمير الكامل لكل مرافق الحياة في غزة كل ذلك لا يتفق أبدا ولا يتناسب مع مزاعم إسرائيل التي ساغتها لشنها عدوانها.
وتابع إن هذا العدوان يعد بحق جريمة من جرائم الحرب وجريمة ضد الإنسانية وهو من الجرائم التي تدينها وتحرمها القوانين الدولية، كما أنه يمثل انتهاكا صارخا لأبسط مبادئ حقوق الإنسان بالتالي فإنه يستوجب الوقف الفوري لهذا العدوان ومحاسبة المسؤولين عنه.
وأضاف الصباح: إننا لا نستطيع ونحن نجتمع اليوم وصدى ذلك العدوان الإسرائيلي يخيم علينا وأنات الشعب الفلسطيني وأطفاله في غزة ومشاهد القتل والدمار تغرق ضمائرنا دون أن نتدارس معا هذه المأساة بكل مسؤولية وأمانة فواجبنا أن نتفق كقادة مجتمعين على خطوات عملية لتثبيت وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه وقفا دائما ورفع المعاناة المستمرة عن الشعب الفلسطيني والاستجابة لأهدافه المشروعة في إقامة دولته المستقلة فمن دون ذلك لن يتحقق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة الذي ننشده جميعا.
وأضاف الشيخ صباح: أهيب بالأخوة القادة بمواصلة الجهود التي بذلتها دولنا في إطار الجامعة العربية - وبالتعاون مع المجتمع الدولي - حتى نطمئن إلى التطبيق الفوري والشامل لقرار مجلس الأمن الأخير والداعي إلى وقف القتال تمهيدا للانسحاب الإسرائيلي الكامل وغير المشروط ورفع الحصار والمعاناة عن شعبنا في غزة. "وإننا في هذا المقام نشيد بجهود فخامة الأخ الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة ومساعيه الرامية لوقف إطلاق النار حقنا لدماء الأشقاء في غزة كما نقدر دعوته لعقد قمة شرم الشيخ الدولية والتي أكدت تثبيت وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة وفتح المعابر واستكمال انسحاب إسرائيل من قطاع غزة من أجل تقديم المساعدات الإنسانية والدعوة إلى عقد اجتماع دولي للدول المانحة في منتصف شباط (فبراير) المقبل لإعادة إعمار ما دمرته الآلة الحربية الإسرائيلية في غزة.
إلى ذلك، طالب أمير الكويت بـ "خطوات عملية لتثبيت وقف إطلاق النار" في غزة وللتوصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس "الحقوق المشروعة" للشعب الفلسطيني. كما طالب بمواصلة الجهود العربية مع المجتمع الدولي حتى يتم تطبيق القرار 1860 بما يؤدي إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
اقتصاديا، عد أمير الكويت تدني مستويات المعيشة في الدول العربية والتراجع الكبير لدخل الفرد وارتفاع معدلات البطالة وخاصة بين الشباب وما واكبه من تخلف في نوعية الخدمات التعليمية اللازمة للتنمية الحديثة سبابا لهجرة العقول العربية ذات الخبرة والكفاءة إلى الدول الأجنبية.
#2#
وأشار إلى أنه على الرغم مما حبى الله الدول العربية من خيرات وطاقات تخلفت قدراتها في المساهمة في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية فتراجعت قيمة الصادرات التجارية للسلع والخدمات، بينما ارتفعت في المقابل فواتير الواردات لتنهش من مدخرات الوطن وتضعف قدرات الاقتصاد العربي على النمو والتطور. وقال "لقد تراكمت هذه المعطيات السلبية حتى أصبح العديد من الدول العربية الأكثر تهميشا وتراجعا على مستوى العالم بجميع معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تقاس بها مكانة الدول ودرجات تقدمها، وأبان أن هذه الظروف أسهمت في تكريس اليأس لدى شعوب المنطقة بالقدرة على مواجهة هذه التحديات وعلى التطور واللحاق بالركب العالمي في التقدم فتولد على إثره بيئة خاصة للتطرف والغلو والكراهية واندفع كثير من الشباب إلى أعمال غير مشروعة للتعبير عن هذا الضيق مما أثر سلبا في الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي.
وأكد الأمير تبرع بلاده بـ 500 مليون دولار في إطار مقترح لتأسيس صندوق بمليار دولار لمساندة إعمار غزة. ودعا الشيخ صباح الذي تبذل بلاده جهودا منذ نحو سنة لتنظيم القمة الاقتصادية، إلى فصل السياسة عن الاقتصاد.
من جهته، جدد الرئيس المصري حسني مبارك التأكيد أمام نظرائه العرب على التمسك بالمبادرة العربية للسلام. وقال مبارك "اقترحنا مبادرة عربية للسلام منذ قرابة السبع سنوات وقد حان الوقت لأن يتم التجاوب والتعامل معها وأن تؤخذ من قبل إسرائيل والقوى الدولية الكبرى على محمل الجد".
وقال مبارك إن "مأساة غزة" استغلت من أجل اختراق العالم العربي في إشارة إلى إيران على ما يبدو. وقال "من المؤسف أن نسمح باستغلال مأساة غزة لاختراق عالمنا العربي بقوى من خارجه تتطلع للهيمنة وبسط النفوذ وتتاجر بأرواح الفلسطينيين ودمائهم".
وأضاف أن "العلاقات العربية العربية ليست في أحسن أحوالها (..) لا مجال في هذه العلاقات للالتواء والتطاول ولا مجال للتخوين وسوء القول والفعل والتصرف وكأننا نعود بعالمنا العربي إلى الوراء".
وتابع أنه "من المؤسف أن يعمل البعض على تقسيم العرب إلى دول اعتدال ودول ممانعة" متسائلا "هل هي عودة إلى جبهة الرفض خلال سبعينيات القرن الماضي؟".
وأكد أن "مصر ستواصل جهودها لتحقيق المصالحة بين السلطة الفلسطينية والفصائل فبدونها لن يتحقق استقرار غزة ولا إعمارها ولا الإنهاء التام لحصارها". وأضاف "سنبذل في ذلك (المصالحة) كل جهد ممكن فإن تحققت فهو الخير لشعب فلسطين وقضيته وإن لم تتجاوب الفصائل مع جهودنا فسنقول لهم إن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم".
بعد ذلك ألقى الرئيس السوري بشار الأسد رئيس القمة العربية في دورتها العشرين كلمة قدم فيها شكره لدولة الكويت على استضافة القمة منوها بإسهام الكويت في دعم العمل العربي المشترك. وأكد أن هذه القمة تعكس تنامي الوعي الشعبي والرسمي بأهمية الحوار في الشأن الاقتصادي، بهدف تحقيق المزيد من التكامل والتنسيق بين أقطار الوطن العربي، ولا سيما في ظل ما يشهده العالم من تحولات سريعة، وما يعانيه من أزمات يمكن للدول العربية أن تحقق فيه شيئاً من الفائدة من خلال تنسيق سياساتها وتوجهاتها الاقتصادية. ورأى أن معالجة الوضع الراهن في فلسطين في حاجة إلى قرارات حاسمة وسريعة في مسائل وقف العدوان، ووقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية وفك الحصار فورا، وفتح المعابر إضافة إلى المشاركة في إرسال المساعدات الإنسانية وإعمار غزة. وأبرز الرئيس بشار الأسد أهمية المشاركة في دعم غزة سياسيا من خلال التأكيد على حقها في الدفاع عن نفسها وحق مقاومتها الثابت في الرد على العدوان. ووصف إسرائيل بالكيان الإرهابي خاصة بعد العدوان الأخير على قطاع غزة. وعبر عن أمله في أن تكون قمة الكويت قمة قرارات وليس قمة تسويات، وأن تخدم الاقتصاد العربي وتخدم المبادئ القومية والإنسانية وتشجع الاستثمار بين الدول العربية وتقف مع المقاومين من خلال دعم حقهم الشرعي في المقاومة طريقا لاستعادة الحقوق .
من جانبه، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال قمة الكويت العربية الاقتصادية الفصائل الفلسطينية إلى تشكيل حكومة وفاق وطني تتولى تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بشكل متزامن. وقال عباس أمام القادة العرب أن "ما هو ضروري وواجب أن نلتقي جميعا كفلسطينيين.. بشكل فوري في أرض مصر كي نتفق". وأضاف "المطلوب الآن إذا اتفقنا، ونرجو أن نتفق، حكومة وفاق وطني تأخذ على عاتقها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة".