"داوجونز" وانعكاساته على مؤشر الأسهم السعودية

انفرد عام 2008 بالخسائر في الأسواق العالمية بشكل عام والسوق السعودية بشكل خاص. وتأثرت الأسواق العالمية بأزمة الرهن العقاري التي أصابت الاقتصاد الأمريكي وألقت بظلالها على جميع الاقتصادات والأسواق المالية العالمية، حيث هبطت هذه الأسواق وعلى رأسها السوق الأمريكية ممثلا بمؤشر داو جونز ما يقارب 50 في المائة من أعلى مستوياته و45 في المائة خلال عام 2008 حينما سجل أدنى مستوياته هذا العام، وليقترب هذه السنة لأن يسجل أسوأ أداء منذ سنة الكساد العظيم.
ولمعرفة أبعاد أكبر أزمة في تاريخ الاقتصاد الأمريكي ومدى تأثيرها في أسواق المال الأمريكية لا بد من الوقوف عند أولى سنوات الكساد العظيم التي حدثت عام 1930، حيث سجل فيها الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي US GDP انخفاضا قدره 8.6 في المائة ليتبعه انخفاض ما نسبته 6.4 في المائة، 13 في المائة في السنتين التاليتين لتكون بذلك السنة الأخيرة 1932 هي الأسوأ في الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات الـ 80 الماضية، التي سجلت حينها السوق الأمريكية انخفاضآ قدره 53 في المائة، وهو يعد أكبر انخفاض يسجله "داوجونز" . ثم بدأ بعدها الاقتصاد يتعافى حتى سنة 1938، وهي بداية الحرب العالمية الثانية التي سجل فيها الناتج المحلي الأمريكي انخفاضا بـ 3 في المائة، وانخفض في تلك السنة السوق الأمريكي ممثلاً بمؤشر "داوجونز" بما نسبته 33 في المائة وهذا ثالث أكبر انخفاض يسجله السوق خلال السنوات الـ 80 الماضية.
#2#
بينما يتوقع أن يسجل الناتج المحلي الأمريكي بنهاية سنة 2008 نموا بمقدار 0.1 في المائة متأثرا بالتباطؤ الكبير خلال الربع الرابع، الذي يتوقع أن يسجل تراجعا يراوح بين 4 في المائة و5 في المائة، وعلى خلفية هذا التباطؤ انخفض مؤشر "داو جونز" بمقدار 45 في المائة عن إقفال سنة 2007، ويعد هذا الانخفاض الأكبر بعد الكساد العظيم .
عند مقارنة الأرقام التي سجلها الاقتصاد الأمريكي في الكساد العظيم بالأرقام التي سجلها في الوقت الحالي يتضح لنا أن الأزمة الحالية ليست بمستوى الكساد العظيم، إلا أن السوق الأمريكية تفاعلت معها بنسبة تقترب منها وخصوصا أن تصريحات البنك المركزي الأمريكي وتوقعاته للناتج المحلي لسنة 2009 بأنها قد تسجل أداء يراوح بين - 0.2 في المائة و1.1 في المائة، أي أن ردة فعل المستثمرين كانت مبالغا فيها لحد ما. والرسوم البيانية التالية توضح لنا انعكاسات الناتج المحلي الأمريكي على مؤشر "داوجونز" في السنوات الـ 80 الماضية.
#4#
وحتى نستطيع أن نُقّدّر الفترة التي تحتاج إليها الاقتصادات للتعافي من هذه الأزمة نحتاج إلى تحديد بداية فترة الركود للأزمة الحالية، وبحسب تقرير الهيئة الوطنية الأمريكية للأبحاث الاقتصادية NBER الذي يشير إلى أن الركود بدأ من كانون الأول (ديسمبر) 2007 وأنه يتوقع أن يكون بداية التعافي في النصف الأول من 2009.
ويوضح الرسم البياني المرفق متوسط الفترة الزمنية لأي ركود اقتصادي سابق، ومن هذا الرسم سنحدد هل أن منتصف 2009 سيكون بداية التعافي أم لا؟ أي أن هناك ستة أشهر تفصلنا عن مرحلة اقتصادية جديدة.
#3#
يتضح لنا من الرسم البياني المرفق أن أعلى فترة ركود هي 16 شهرا وأقل فترة ركود ستة أشهر وعليه يكون المتوسط تقريبا عشرة أشهر إلى 11 شهرا بعدها تبدأ الاقتصادات بالانتعاش من جديد والانتقال من مرحلة التباطؤ إلى مرحلة النمو وعليه فإن منتصف 2009 قد يكون بداية التعافي من الأزمة. لكن هناك نقطة مهمة وهي أن الأسواق المالية تتفاعل بالإيجابية أو السلبية قبل الاقتصادات وتستبق الأحداث، والرسم البياني التالي يوضح ذلك.
ونلاحظ حسب الرسم البياني المرفق - أن "داوجونز" يتفاعل بالإيجاب قبل ستة أشهر من انتهاء فترة الركود مسجلا متوسط ارتفاع 20 في المائة تقريبا في كل ركود، وهذا يفسر أن الأموال تستبق الأحداث. ولتوضيح أكثر في سنة 1981، سجل الاقتصاد الأمريكي فترة ركود 16 شهر إلا أن "داوجونز" ارتفع 28 في المائة في آخر ستة أشهر.
لذلك نستطيع أن نقول إن سنة 2009 ستكون أفضل أداء من سنة 2008 في ظل ثبات التوقعات الحالية وقد تكون أقوى أداء من أي فترة ركود والسبب يعود إلى أن كثيرا من الدول ضخت أموالا كثيرة لتحفيز اقتصاداتها، وهذه الأموال قد تسهم في تكوين فقاعات اقتصادية وربما في عودة التضخم بشكل أكبر لكنها ستساعد على التعافي بشكل أسرع مما مضى.
الاقتصاد السعودي أقل الاقتصادات تأثراً بالأزمة الحالية إلا أنه عكس هذه الأزمة في سوق الأسهم في عام 2008 بانخفاض 57 في المائة عن إقفال سنة 2007 وانخفض فيها مكرر السوق السعودية من 18 مرة إلى مستوى عشر مرات متاثراً بالأزمة وتداعياتها.
بالنظر إلى الأزمات التي مرت بها السوق السعودية خلال الـ 18 سنة الماضية سنجعل مكرر الأرباح معيارنا الأساسي للتحليل وللتقييم فهو الأدق والأنسب بالنسبة إلى سوق ناشئة ونامية. فالسوق السعودية مرت بأربع أزمات وكانت أولى الأزمات غزو الكويت في عام 1990، ثم أزمة النمور الآسيوية 1997، ثم حرب العراق 2003، ثم أزمة الائتمان الحالية 2008.
#4#
بالنظر إلى شارت مكرر السوق يتضح لنا تأثير كل أزمة في مكرر السوق وماذا يحدث بعد ذلك، سنرى أنه بعد كل أزمة تكون ردة فعل السوق حدوث فقاعة وأن أدنى مستوى وصله مكرر السوق هو بعد فقاعة أزمة الكويت عام 1995 م وهو عند مستوى 9.5 مرة ثم سجل ثاني أدنى مستوى له بالأزمة الحالية وهو عند عشر مرات، مع مرعاة أن هناك كثيرا من الشركات التي أدرجت حديثا ورفعت القيمة السوقية للسوق ولم تضف لها أية أرباح.
بالنظر إلى الشارت نطرح هذا السؤال: ما الأسباب التي أسهمت في وصول السوق السعودية إلى هذه المستويات المتدنية من المكررات؟ من وجهة نظري الخاصة أن أبعاد الأزمة ليست واضحة للمستثمرين كذلك مستثمري الأسواق الخليجية حديثي عهد بالأزمات المالية وتنقصهم الخبرة في التعامل مع الأزمات لذلك تم تقييم الأسعار بأسوأ الاحتمالات في ظل ثبات التوقعات. وأيضاً قوة الآلة الإعلامية الحالية التي بالغت في تغطية الأزمة وبالتخويف والتهويل من آثار الأزمة ببحثهم عن السلبيات وتهميش الإيجابيات.
في الخاتمة ومن الرسومات السابقة يتضح لنا عدم وجود ارتباط مباشر بين "داوجونز" و"تاسي" ولكن تكمن العلاقة بينهما في الاقتصاد الأمريكي فأي إيجابية أو سلبية في أداء الاقتصاد تنعكس على الاقتصادات للدول الأخرى وبالتالي تتأثر الأسواق المالية العالمية وهنا يكمن الارتباط وأن أفضل طريقة لقراءة الاقتصاد الأمريكي هي تفاعلات "داو جونز".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي