FINANCIAL TIMES

المسار غير المؤكد للشمس الصامتة يؤثر في الطقس

المسار غير المؤكد للشمس الصامتة يؤثر في الطقس

هدأت الشمس، بل هدأت للغاية، حيث إن الرياح الشمسية التي تتكون من جزئيات مشحونة بالكهرباء المتدفقة من الشمس، أصبحت أضعف من أي فترة مضت منذ بدأ العلماء يسجلون ملاحظات دقيقة في الخمسينيات، كما أن البقع الشمسية في عام 2008 يمكن أن تكون هي الأقل عدداً منذ القرن التاسع عشر. هذا الصمت الشمسي أصاب علماء طبيعة الفضاء بالمفاجأة، إذ إنهم كانوا يتوقعون أن الشمس تحركت بعيداً عن أقل نقطة من الدورة الشمسية التي تمتد 11 عاماً في هذا الوقت. ويقول ديفيد ماكوماس، العالم رفيع الشأن في مهمة يوليسيز الشمسية التي تتم متابعتها من خلال الأقمار الاصطناعية، ذلك المشروع المشترك بين وكالتي الفضاء في كل من أوروبا والولايات المتحدة: "رؤية مثل هذا التراجع المهم، والمستمر لأجل طويل في ناتج الرياح الشمسية، يعتبر أمراً مميزاً". إذا عدنا إلى سطح الأرض، فإن هذا النشاط الشمسي يمكن أن يكون أنباءً جيدة للشركات التي تشغل الأقمار الاصطناعية، أو تدير الشبكات الكهربائية، أو تتولى تصنيع أنظمة الراديو الأرضية، التي تكون عرضة للدمار وانقطاع الخدمات نتيجة للعواصف الشمسية. ويفيد أحد التفسيرات طويلة الأجل لمضامين تلك العواصف على المدى الطويل، أن آثارها يمكن أن تكون بعيدة عن أن تعتبر حميدة. يتردد الخبراء في توقع نتائج ذلك على الأرض وسكانها بسبب وجود كثير من التفاعلات المعقدة بين نواتج الشمس، ومناخ الأرض، والمجال المغناطيسي، من جهة، والإشعاع الكوني القادم من الفضاء الخارجي. ويقول بعض علماء الطقس إن شمساً أهدأ، خلال فترة تمتد إلى عدة عقود، يمكن أن تجعل الأرض أبرد، على الرغم من أن العلاقة بين النشاط الشمسي والطقس مثيرة للجدل بصورة خاصة. الأمر الذي يضاف إلى عدم اليقين هو أنه ما من أحد يعرف إلى متى يمكن أن تظل الشمس هادئة. وهنالك توقع متطرف بأن تكون تلك فترة مستمرة من عدم النشاط تشهد عدداً قليلاً للغاية من البقع والعواصف الشمسية، بحيث يمكن أن تستمر لعدة عقود. وحدث آخر تباطؤ للدورة الشمسية التي تستمر 11 عاماً، بين عامي 1645 و 1715، وهي فترة يطلق عليها مؤرخو الفلك، Maunder Minimum، التي ترافقت مع أبرد فترة في الألفية الماضية، والتي تعرف باسم "العصر الجليدي الصغير". تقول نانسي كروكر، أستاذة البحوث في جامعة بوسطن: "إذا شهدنا تكراراً لتلك الظاهرة، فإن ذلك يمكن أن يكون أمراً مثيراً للغاية من الجانب العلمي، ولكن ليس من المتوقع حدوث ذلك". وشانها في ذلك شأن غالبية علماء الفلك، فإنها تتوقع العودة إلى زيادة النشاط الشمسي خلال فترة قريبة، الأمر الذي يؤدي إلى الذروة المقبلة في حدود عام 2012. غير أنه لا يوجد اتفاق بين العلماء على مدى اضطراب الشمس خلال الذروة المقبلة. وتفيد بعض التوقعات أنها سوف تكون هادئة نسبياً بوجود عدد أقل من العواصف الشمسية مقارنة بآخر عدد قليل من فترات الذروة السابقة (2001- 2002، و1990-1991، و1980-1981). ويقولون علماء آخرون، إنه على الرغم من نقطة البداية المتدنية، فإنه من الممكن أن تعمل الشمس على تجميع ذروة مكثفة بصورة استثنائية خلال السنوات الأربع المقبلة. يقول جيم وايلد، عالم الفضاء في جامعة لانستر: "توقع الذروة التالية الآن، كتوقع طقس الصيف المقبل في منتصف فصل الشتاء". الدورة الشمسية التي تستمر 11 عاماً مدفوعة بالمغناطيسية المتغيرة "للدينامو الشمسي". ويعمل الدوران الأسرع للشمس في المناطق الاستوائية، مقارنة بالقطبين، على تضخيم المجال المغناطيسي إلى أن ينفجر على السطح ، الأمر الذي يتسبب في حدوث البقع الشمسية، وإطلاق مليارات الأطنان من المواد الشمسية في الفضاء في "عملية طرد اكليلي كبرى". ولكن ليس هنالك من نموذج جيد لتفسير توقيت أو كثافة هذه الأحداث. يقول الدكتور وايلو: "لو أنني كنت مشغلاً لنظام للأقمار الاصطناعية، أو لشبكة كهربائية، لكنت سعيداً ببقاء الشمس هادئة". ولكنه مع غيره من الخبراء الشمسيين، يحذرون من المبالغة في الرضا عن النفس. على الرغم من وجود عدد أقل بكثير من حالات الطرد الإكليلي خلال فترة قلة النشاط الشمسي، فإنها يمكن أن تحدث دون أي تحذير، في أي وقت. وتقول الأستاذة كروك إن عاصفة شمسية مفاجئة يمكن أن تكون أشد تدميراً إذا حدثت خلال فترة هدوء، حين تكون الرياح الشمسية ضعيفة، مما هو عليه الأمر خلال الذروة الشمسية. ما يعتقد علماء الفلك أنه كان أشد مقذوفات الشمس كثافة خلال عدة قرون كان في شهر آب (أغسطس) من عام 1859 أثناء فترة دورة شمسية هادئة. وأدى الشفق القطبي، أو الأنوار الشمالية، أي المظاهر الفوتوكهربائية التي تحركت حين ضربت الجزئيات الشمسية أعلى نقطة في الغلاف الجوي العلوي، بعد نزولها من مواقعها القطبية المعتادة، إلى خلق هالة رائعة امتدت حتى المناطق الاستوائية. وأما الآثار الأخرى، فتمثلت في تعطل أوسع للشبكات التلغرافية العالمية عن العمل لعدة ساعات. إذا قدّر لمثل هذه العاصفة الشمسية أن تحدث في أيامنا هذه، فإنها سوف تسبب أضراراً بمليارات الدولارات على الاتصالات، وشبكات الأقمار الاصطناعية الخاصة بمتابعة الأحوال البحرية، إضافة إلى انقطاعات كهربائية واسعة النطاق في مختلف أرجاء العالم، بحيث يمكن أن يستمر ذلك لعدة أسابيع، كما يقول ستن أودنوالد، وجيمس جرين، العالمان في وكالة الفضاء الأمريكية اللذان قاما بتحليل حادث عام 1859. من الآثار المؤكدة للهدوء الشمسي هو أن مزيدا من الأشعة الكونية ذات الطاقة العالية من أماكن أخرى في هذا الكون، يمكن أن تشق طريقها عبر الرياح الشمسية الضعيفة، لتصل بالتالي إلى الأرض. وعلى الرغم من أن هذه الأشعة الكونية لا تصل بصورة مفاجئة مثل العواصف الشمسية، فإن أثرها التجمعي الثابت يمكن أن يعمل على تقصير فترة حياة الأقمار الاصطناعية. هذه الفترة الهادئة يمكن ألا تكون فترة جيدة لإرسال مركبة فضائية مأهولة خارج الغلاف الأرضي ، إلى القمر، أو إلى المريخ، كما تضيف الأستاذة كروكز. ومن المحتمل أن يواجه رواد الفضاء تأثيراً ضاراً من جانب الإشعاع الكوني الزائد الذي يمكنه أن يتغلب في أثره على تراجع العواصف الشمسية. وأما الأثر الآخر من تراجع النشاط الشمسي، فهو تبريد المناخ العلوي وتقليل كثافته. ولهذا الأمر كذلك جوانبه الجيدة والسيئة: حيث إن عملية الجر المتراجع سوف تمكن الأقمار الاصطناعية والمواد الدائرة في الفضاء من البقاء لفترة أطول. العلاقة بين التغيرات الشمسية والطقس تظل سراً من الأسرار، كما يقول جامي كاسفورد، باحث شؤون الطقس في جامعة دورهام . وبينما يتغير المجال المغناطيسي، والرياح الشمسية، بصورة رئيسة بمرور السنوات، فإن القياسات التي أجرتها مهمة يوليسيس الفضائية تظهر أنها أضعف في الوقت الراهن بنسبة تراوح بين 20 و30 في المائة، من آخر نقطة شمسية دنيا في 1996- 1997، حيث كانت التغيرات المرافقة في الناتج الإجمالي لطاقة الشمس ضعيفة للغاية. حين تكون الشمس هادئة للغاية، فإن مقدار الطاقة الذي يصل إلى الأرض أقل بنسبة 0.1 في المائة فقط من المقدار الذي يصل حين تكون في غاية النشاط، وهو تغير أصغر من أن يتسبب، بحد ذاته، في تبريد عالمي كبير. ويقول الدكتور كاسفورد: "أستطيع القول إن التغيرات الشمسية تدخل في نظام الطقس، ولكننا لا نعرف بالضبط ما آلية ذلك". هنالك بالفعل نظريات متعددة حول ذلك، حيث تأتي واحدة من تلك المثيرة للجدل منها من جانب هنريك شيـفنزمارك، عالم الفيزياء في مركز الفضاء القومي الدنماركي في كوبنهاجن. وهو يعتقد أن زيادة الإشعاع الكوني الذي يضرب الأرض خلال هدوء الشمس، يحفز تشكيل الغيوم، الأمر الذي يؤدي إلى تبريد الكوكب الأرضي. أما بول مايوسكي، مدير معهد تغير المناخ في جامعة مين، فيقول إن الأثر الرئيس للتغيرات الشمسية هو على الدوران المناخي الذي يؤثر بدوره في درجات الحرارة. وعلى الرغم من أن بعض الناس الذين يتشككون في أثر بني البشر على التسخين الكوني، يؤكدون العلاقات بين التغيرات الشمسية والطقس، إلا أن الأستاذ مايوسكي يقلب حجتهم رأساً على عقب، ويقول: "إن حقيقة أننا لا نمر في أوقات مشابهة للعصر الجليدي الصغير في أيامنا هذه تظهر أن الطقس يتأثر سلباً بنشاطات بني البشر". إذا ظلت الشمس هادئة خلال العامين المقبلين، فإنها يمكن أن تخفف من آثار بني البشر على التسخين الكوني لفترة ما، ولكن معظم الخبراء يعتقد أن المستوى المتصاعد من غاز ثاني أوكسيد الكربون في الفضاء سوف يعمل على رفع درجات الحرارة مرة أخرى.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES