الاقتصاد والتطلعات للسنة الجديدة بين مكتئبين وواثقين

العواصف المالية في الأشهر القليلة الماضية زادت سوءا بسبب نقص الثقة بالأنظمة المالية التي ما زالت تبحث عن نظام يمكن فهمه والتنبؤ به ومن ثم الثقة به والعمل به بشكل يعيد الاستقرار لكثير من اقتصادات الدول. إلا أن الهفوات التي ارتكبت في بداية الأزمة وبالذات في الولايات المتحدة دلت على أن الحكومات تواجه أزمة غير تقليدية تحتاج إلى فكر مختلف وجهود غير أحاديه التوجه، فالارتباط الاقتصادي والاعتماد المتبادل بين كثير من الدول يتطلب تنسيقا كبيرا في مواجهة هذه الأزمة. لم تكن الحكومة الأمريكية صائبة عندما تركت مصرف الاستثمار ليهمان يواجه الإفلاس لتتبع ذلك بالإعلان عن تخصيص مئات المليارات لشراء حصص في أسهم البنوك وضمان الودائع البنكية لسنوات مقبلة لكي تعزز الوضع المالي للبنوك والمصارف، وهي الخطوات نفسها التي اتبعت في الدول الأوروبية. بعد هذه الخطوات بدأ زعماء الدول التي لها دور مؤثر في الاقتصاد العالمي بعقد القمم لإظهار التوجه الموحد لمواجهة هذه الأزمة على أمل إعادة بعض الثقة للأنظمة المالية المتعثرة. إلا أن الثقة المحركة للدورة المالية في عديد من الأنظمة المالية لكثير من الدول لم تعد إلى ما كانت عليه, فلا يزال المستثمرون غير راغبين في إقراض البنوك، والبنوك غير راغبة في إقراض بعضها بعضا أو إقراض رجال وسيدات الأعمال أو إقراض المستهلكين. أي أن السيولة المطلوب توافرها وتبادلها لم تأخذ دورتها المأمولة، مما دفع مزيدا من البنوك والشركات إلى الإفلاس أو إلى تسريح أعداد كبيرة من موظفيها، دافعةً بعض الدول إلى تسجيل انكماش أو ارتداد في النمو من إيجابي إلى سلبي.
كثير من المتطلعين للعام الجديد في الدول المتقدمة وبالذات الغربية منها يحتويهم الإحباط والاكتئاب, فالصورة التي رسمها كثير من المحللين والمتابعين لهذه الأزمة لسنة 2009 سوداء قد لا يرى كثير من الدول شيئا من النور فيها إلا في آخرها أو في السنة التي تعقبها. بالرغم من هذه الصورة القاتمة, فإنه يجب ملاحظة أن كثيرا من الدول أحدثت تغييرات كبيرة في أنظمتها. إلا أن هذه التغييرات تحتاج إلى وقت طويل لكي يظهر تأثيرها. من هنا إلى أن يحين الوقت الذي تتم فيه ملاحظة تأثير هذه التغييرات فإن الأخبار سوف تكون سيئة ولكن سوف يتم تضخيمها من قبل من فقد الثقة بطريقة معالجة هذه الأزمة ومن قبل من لا يملكون معرفة جيدة في الاقتصاد. أيضاً سوف يظهر مزيد من الهفوات في هذه الأنظمة المالية التي كان ينقصها نظام مراقبة ومراجعة. فمثلاً قبل عدة أيام قبض على رئيس مؤشر ناسداك بتهم الغش مسببا الخسارة لكثير من البنوك والمصارف بقيمة تقارب الخمسين مليار دولار. هذا مما لا شك فيه سوف يسهم في تغييم وتقتير التطلعات للعام المقبل، وهذا بدوره سوف يؤثر في مستوى الثقة المهم في عملية معالجة هذه الأزمة.
ما يجب الانتباه إليه أن هذه الأزمة بدأت في الاقتصادات المتقدمة التي كانت أنظمتها وسياستها البنكية غير مراقبة بشكل سليم. ولكن في دولة مثل المملكة التي تمتلك أنظمة بنكية سليمة وجيدة وتملك ملاءة مالية عالية وتنفذ عديدا من المشاريع الضخمة فإن مستوى الثقة يجب ألا يتأثر بشكل كبير بما يحدث في الدول الأخرى التي تعاني كثيرا. هذا لا يعني أننا بمنأى عما يجري في الاقتصاد العالمي. ففي ظل أزمة مثل التي نعيشها سوف تكون التغيّرات في الأسواق كبيرة بشك دراماتيكي مثل التغيير الهائل والسريع في أسعار النفط أو التغييرات المتذبذبة في قيمة العملات وبالذات عملات الدول التي تعاني هذه الأزمة وتغييرات كبيرة في أسعار السلع الصناعية والاستهلاكية. هذه التغييرات التي تجري من حولنا حدثت ليس بسبب ضعف في اقتصادنا ولكن بسبب ضعف في الطلب العالمي على هذه السلع. بعض الكتاب والمحللين في السعودية الذين لا يدركون مدى الارتباط الاقتصادي بين أسواق العالم, سارع في التشكيك في صحة ونزاهة التغيير في الأسعار وبالذات في أسعار الحديد. هذا التشكيك لن يولد إلا آراء تنقصها الثقة في اقتصادنا ومزيد من الآراء التشكيكية لن تخدم أحدا ولن تساعد على شيء سوى الإسهام في إدخال اقتصادنا في دوامة وجود الثقة من عدمها كما يحدث في الدول الغربية.
تأكيد الملك - حفظه الله - ووزير المالية والقائمين على سياستنا الاقتصادية والنقدية على قوة ومتانة اقتصاد المملكة يجب ألا يغفل عنه, فبعض الكتاب والمحللين لا ينظرون إلى الأخبار الطيبة عن اقتصادنا ولكنهم يسهمون في رسم صورة متشائمة عن اقتصادنا حتى وإن كان الاقتصاد بخير. البعض من المواطنين قد لا يكون لديهم دراية ومعرفة بالأمور الاقتصادية ولكنهم يستمعون لمن لقب بمحلل أو بكاتب. لنتطلع إلى العام الجديد بثقة فلا يوجد ما يدعو إلى الاكتئاب فلدينا من الأخبار السارة كثير، هذا إذا أردنا أن يكون عامنا الجديد مليئا بالثقة فدونها لن ينجو اقتصادنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي