Author

(لورنس) شيخ الـ paltalk!

|
لطالما آمنت بأن السخرية الحادة و(الشاطحة) لا يمكن أن تمر دون أن تترك أثراً عميقاً بعدها خصوصاً في مجتمعاتنا العربية, وهذا بالضبط ما يحدث حالياً لمجموعة من المقاطع الصوتية التي تتداولها جوالات السعوديين لأحد مستخدمي برنامج (البالتوك) العالمي على شبكة الإنترنت, حيث باتت سخريته بكل شيء بلا استثناء حديث المجالس, بل إن (لورنس) وهو الاسم المستعار الذي يستخدمه صاحبنا بات ماركة مسجلة خاصة به, ولو استوقفت مجموعة من الشباب في أي شارع من شوارع الرياض اليوم وسألتهم عن هذا الاسم فلا تتوقع أن يجيبك أحدهم بأن أشهر من حمله بالنسبة لنا نحن العرب شخص بريطاني يدعى (توماس إدوارد لورنس) والذي أطلق عليه لاحقاً (لورنس العرب) بل سيتسابقون لإخبارك بأن هذا الاسم يخص (لورنس) شيخ (البالتوك) صاحب (الشوربة) و(الخل)..! ويجدر بكم أن تعلموا أن سر شهرة هذا الساخر الكبير لا يكمن في أنه يوزع النكت مجاناً بل إن السر الحقيقي الذي أحاطه بكل هذا الوهج محولاً إياه إلى ظاهرة صوتية جماهيرية يكمن في ضربه العنيف لبعض التصرفات والعادات الاجتماعية المبتدعة بشكل يلامس قناعات جمهوره الذي لا يستطيع أن يتحدث في تلك القضايا بنفس الطريقة..! (لورنس) يا سادة يا كرام هو ابن هذا المجتمع وضحيته أيضاً, إنه يسخر من شدة الألم الذي يعانيه, والفرق بينه وبين غيره أن هناك أشخاصاً يمكنهم أن يعبروا عن ألمهم وغضبهم بطرق كثيرة مختلفة عن هذه الطريقة, بينما هو لا يملك غير فن السخرية بكل شيء دون استثناء بداية بنفسه وليس انتهاء بالعالم بأجمعه..! إنني أعتقد بحق أن هذا الرجل كان من الممكن أن يصبح فناناً عظيماً لو تهيأت له الظروف المناسبة لذلك, فإضافة إلى كونه يمتلك الموهبة اللازمة لخوض غمار التمثيل, يتميز بأنه عميق جداً في تناول القضايا بالنقد حتى وإن حاول بأسلوبه البسيط أن يبدو (سطحياً) لامبال يبالتابوهات الاجتماعية, فهذه طريقة من طرق إيصال الرسالة إلى أكبر كم ممكن من الناس, وقد نجح في ذلك بالفعل. أتذكر الآن أن هناك تجربة مشابهة لتجربة (لورنس) ظهرت قبل ظهور تقنية البلوتوث والجوالات بشكل عام عبر أشرطة الكاسيت لمنولوجست اسمه (محمد بن سليم) لكن سرعان ما انطفأت تجربته تماماً بعد ظهوره في إحدى حلقات المسلسل الجماهيري (طاش ما طاش), و وجه الشبه بين التجربتين يكمن في تأثيرهما في المستمعين وجماهيرتهما لكن الطرحين مختلفان تماماً فتجربة (بن سليم) اقتصرت على التنكيت والتهرج والتقليد دون الدخول في تفاصيل القضايا الاجتماعية ونقدها بحدة ساخرة كما يفعل (لورنس). قد يجرّم البعض (لورنس) اليوم وأولهم أقاربه كما أشار هو في أحد مقاطعه, وقد يتهمونه بقلة الأدب واللامبالة وعدم تقدير عواقب الأمور وعشرات التهم المشابهة, لكن هذا كله لن يوقف جمهوره عن متابعته, ولن يكون سبباً في توقفه هو عن الكلام, لأنه رجل يعبر عن ألمه بهذه الطريقة التي يجيدها, وبدلاً من لومه ومحاولة تجريمه ينبغي التفكير جدياً في استثمار موهبته وصقلها ومحاولة الارتقاء بها وقبل كل شيء التعامل معه كإنسان يتألم لا كمجرم يتكلم بصوتٍ مسموع ومتابع!
إنشرها