"القُصر".. من لهم؟

في كل المجتمعات، الأطفال هم الحلقة الأضعف ضمن تكوينات المجتمع، لكن الأضعف من ذلك أيضا، أن يكون هذا الطفل يتيما (فاقداً الأب تحديدا)، وهو ما يعني افتقاده أكبر داعم في الحياة ودخوله حارة "القُصر" كما اصطلح عليها في الشريعة، والتي تعني أنه قاصر عن تحقيق مصلحته، ويحتاج إلى وصاية.
في دول كثيرة هناك هيئات للقصر تتولى الوصاية على من لا وصي ولا ولي له من القصّر، والمحجور عليهم وفاقدي الأهلية والمفقودين وحماية أموالهم وصيانة ممتلكاتهم، وأقرب مثال على ذلك الكويت الشقيقة التي أنشأت هيئة تعنى بهذا الشأن عام 1938.
نقول ذلك لأننا بصراحة نفتقد مثل هذه الهيئة في السعودية، في الوقت الذي تتشعب المشكلة لدينا وتأخذ مناحا كثيرة بسبب تركيبة المجتمع والأسر، التي تخضع لاعتبارات متوارثة، وعادات وتقاليد معينة، حيث تؤول المسؤولية غالبا إلى الأخ الأكبر، الذي يناط به تولي جميع المسؤوليات بما فيها المالية التي تتحول مع الوقت إلى قنبلة موقوتة في حياة هذه الأسرة أو تلك.
وتتضاعف المشكلة عندما تكون للشخص المتوفى زوجتان أو أكثر، حيث تبدأ المشكلة صغيرة ثم تكبر مع الزمن، وتنتهي بأن الأخ الأكبر، أو العم، أو الخال، يتصرف في أموال القصر دون رقيب أو حسيب، أو أن يجتهد فيوفق أو لا يوفق، أو أن تصل إلى قاعات المحاكم وتخلق شرخا عميقا بين أفراد الأسرة.
أستطيع أن أقول إن عددا قليلا جدا من العائلات التي تفقد آباءها لم تتعرض لمشكلة سواء في الميراث أو تنظيم حياتها من بعده في العلاقة مع الأخوة الآخرين (الشركاء)، بل إن هناك نسبة عالية من الأسر لم ولن تفكر في توزيع الميراث بداعي أنه إما قليلا وإما أن الأخوات غالبا ما يخجلن من المطالبة بحقوقهم التي أحيانا تؤول للأخوة تقليديا.
حتى لا نحسب أننا فقط في جانب دون آخر، فإن هناك في المقابل من الإخوة الكبار ممن يتولى بفعل (السن) مسؤولية أشقائه، ويتحمل عنهم أحيانا خسائر مالية كبيرة، ويفني زهرة شبابه في خدمتهم، ثم يخرج من المولد بلا حمص، سواء من خلال التعرض لاتهامات باطلة تتصل بتسببه مثلا في الخسارة لهم أو اتهامه بالاستيلاء على أموالهم وغير ذلك.
أليس من الأجدى أن يكون لدينا نظام يؤطر هذه القضية؟ أليس من الأولى استحداث جهة مستقلة ترعى هذا النظام وتعمل على تطويره؟ ولتكن مثلا هذه الجهة هيئة عليا للقصر تحمي الحقوق والضمائر والنفوس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي