تشهد المطارات المحورية في الشرق الأوسط — السعودية ودبي وأبوظبي وتركيا — موجة توسّع غير مسبوقة ستضيف مئات الملايين من المسافرين خلال العقد المقبل، أي ما يعادل 3 أضعاف الطاقة الاستيعابية لمطار هيثرو البريطاني على الأقل.
تأتي هذه الطفرة ضمن سباق إقليمي محموم لتعزيز المكانة كمراكز عالمية للربط الجوي.
السعودية .. طموح لبناء مركز عالمي جديد
تسعى السعودية إلى ترسيخ موقعها كمركز إقليمي رائد عبر شركة الطيران الجديدة "طيران الرياض" التابعة لصندوق الاستثمارات العامة. وتعد الشركة إحدى ركائز إستراتيجية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد وجذب السياحة.
وتستعد الشركة — التي دشّنت رحلتها الافتتاحية من لندن إلى الرياض في أكتوبر الماضي لموظفي الصندوق — لفتح الحجوزات العامة هذا الشهر، بهدف تغطية 100 وجهة خلال خمسة أعوام. وقد طلبت الشركة 182 طائرة ضمن استثمار ضخم بقيمة عشرات المليارات، في رهان واضح على نمو قطاع السياحة وزيادة الربط الجوي، وفقا لـ"فانينانشيال تايمز".
وتعاني الرياض اليوم ضعفا ومحدودية في خطوط الربط المباشر مع مدن كبرى مثل طوكيو وشنغهاي وعدد من المدن الأمريكية، ما يفرض التوقف في مطارات وسيطة. ويقول توني دوجلاس، رئيس طيران الرياض: "هذا أمر غير مقبول إطلاقا.. لدينا تفويض لحل هذه المشكلة"، مؤكدا أن الرياض مؤهلة لتصبح مركزًا عالميًا للمسافرين.
ويطمح دوجلاس إلى أن تصبح الرياض، مع مرور الوقت، مركزا عالميا للربط الجوي. وأضاف: "إذا كنت من سكان الرياض في السعودية، وترغب في السفر إلى مدن أخرى، فلا ينبغي أن تضطر إلى التوقف في الدوحة أو دبي أو أي مكان آخر".
FxyJ5zJXsAIkVoQ
دبي نحو مطار محوري للطلب
على الجانب الآخر، تواصل دبي تعزيز موقعها باعتبارها واحدة من أهم مراكز الطيران العالمية. فقد تحولت من مطار بحجم مطار جاتويك يخدم 30 مليون مسافر سنوياً إلى مركز يستقبل اليوم عشرات الملايين.
ويقول بول جريفيث، الرئيس التنفيذي لمطارات دبي، "إن المطار سيستقبل 100 مليون مسافر بحلول 2027، فيما يجري التخطيط لموقع جديد بطاقة 260 مليون مسافر سنوياً"، متوقعًا أن يصل إلى سعته القصوى بحلول 2050.
الرئيس التنفيذي لمطارات دبي، يشير إلى أن المطار سيصبح محورا ضخما يجذب الطلب من كل أنحاء المنطقة.
أبوظبي .. منافسة داخل حدود الدولة
يمتلك مطار أبوظبي القدرة على استيعاب 45 مليون مسافر سنويًا، ما يضعه في منافسة مباشرة مع دبي ضمن الحدود الإماراتية، مستفيدًا من البنية التحتية الحديثة وشركات الطيران الوطنية.
ويشير جريفيث إلى ميزة المنطقة الجغرافية الإستراتيجية قائلاً: "ثلث سكان العالم على بعد أربع ساعات طيران، وثلثاهم على بُعد ثماني ساعات"، ما يجعل الشرق الأوسط نقطة جذب هائلة لشركات الطيران.
يعود جزء من نمو منطقة الخليج إلى شركات الطيران التي تقدم مقصورات فاخرة، كالأجنحة الخاصة، وخدمات مميزة كخدمة الطعام عند الطلب. وقد تمتعت مراكز النقل الجوي في الشرق الأوسط بميزة جغرافية مع ازدياد ترابط العالم.
إسطنبول .. لاعب محوري بموقع إستراتيجي
من جهتها، تواصل تركيا توسيع قدرتها التنافسية عبر مطار إسطنبول الجديد الذي افتُتح عام 2018 بطاقة 90 مليون مسافر، مع خطط توسعية لرفعها إلى 200 مليون مسافر مستقبلاً، ما يضعه ضمن قائمة أكبر المطارات عالميًا.
ويوضح صلاح الدين بيلجين، الرئيس التنفيذي للمطار، أن الموقع الإستراتيجي لإسطنبول في قلب آسيا وأوروبا وإفريقيا يمنحها تفوقًا كبيرًا، خصوصًا بعد القيود المفروضة على الطيران الأوروبي فوق روسيا منذ 2022، التي زادت ساعات الرحلات إلى اليابان والصين والهند.
تنافس في استقطاب الكفاءات
أدى النمو السريع في المنطقة إلى منافسة شديدة على الكوادر المتخصصة، حيث قال بيلجين "إن مطار إسطنبول فقد بالفعل عدداً من قادة التخطيط وتكنولوجيا المعلومات لصالح دبي"، مشيرًا إلى مشاريع جديدة لضمان بقاء الكفاءات وتطوير بدائل محلية.
ميزة الرحلات المباشرة أمام مراكز الربط
رغم تنامي قوة مطارات الشرق الأوسط، تتمسك شركات الطيران الأوروبية بثقة كبيرة. إذ يقول شون دويل، الرئيس التنفيذي للخطوط البريطانية، "إن شركاته تمتلك شبكة واسعة من الرحلات المباشرة تجعلها خياراً مفضلاً لدى المسافرين الذين لا يرغبون في التوقف في دبي أو غيرها".
السياحة .. كلمة السر لنمو مستدام
يرى خبراء القطاع أن ضمان نمو المطارات الخليجية على المدى الطويل يعتمد على جذب عدد أكبر من السياح، وليس فقط ركاب الترانزيت. فدبي استقبلت 19 مليون زائر العام الماضي بزيادة 9% عن العام السابق، لكن جريفيث يؤكد أن مستقبل السياحة في الشرق الأوسط يعتمد على جذب المسافرين إلى شبكة أوسع من الوجهات.
ويقول: "إذا أضفنا كل المواقع في السعودية، والأردن، وعُمان، وروّجنا لهذه الوجهات مجتمعة، فستنمو سوق السياحة نمواً هائلاً.. وهذا هو السيناريو المرجّح".
